اتق شر من أحسنت اليه!



قال أبو مريم: كان عندنا بالمدينة رجل قد كثر عليه الدين حتى توارى من غرمائه، ولزم منزله.
فأتاه غريم له عليه شيء يسير، فتلطف حتى وصل إليه، فقال له: ما تجعل لي إن أنا دللتك على حيلة تصير بها إلى الظهور والسلامة من غرمائك؟
قال: أقضيك حقك، وأزيدك مما عندي مما تقر به عينك.
فتوثق منه بالأيمان، فقال له: إذا كان غدا قبل الصلاة مر خادمك يكنس بابك وفناءك ويرش، ويبسط على دكانك حصرا، ويضع لك متكأ، ثم أمهل حتى تصبح ويمر الناس، ثم تجلس، وكل من يمر عليك ويسلم انبح له في وجهه، ولا تزيدن على النباح أحدا كائنا من كان، ومن كلمك من أهلك أو خدمك أو من غيرهم، أو غريم أو غيره، حتى تصير إلى الوالي فإذا كلمك فانبح له، وإياك أن تزيده أو غيره على النباح؛ فإن الوالي إذا أيقن أن ذلك منك جد لم يشك أنه قد عرض لك عارض من مس فيخلي عنك، ولا يغري عليك.
قال: ففعل، فمر به بعض جيرانه فسلم عليه، فنبح في وجهه، ثم مر آخر ففعل مثل ذلك، حتى تسامع غرماؤه فأتاه بعضهم فسلم عليه فلم يزده على النباح، ثم آخر، فتعلقوا به فرفعوه إلى الوالي، فسأله الوالي فلم يزده على النباح، فرفعه معهم إلى القاضي، فلم يزده على ذلك، فأمر بحبسه أياما وجعل عليه العيون، وملك نفسه وجعل لا ينطق بحرف سوى النباح، فلما رأى القاضي ذلك أمر بإخراجه ووضع عليه العيون في منزله، وجعل لا ينطق بحرف إلا النباح، فلما تقرر ذلك عند القاضي أمر غرماءه بالكف عنه، وقال: هذا رجل به لمم .
فمكث ما شاء الله تعالى. ثم إن غريمه الذي كان علمه الحيلة، أتاه متقاضيا كما وعده فلما كلمه جعل لا يزيده على النباح، فقال له ويلك يا فلان!! وعلي أيضا، وأنا علمتك هذه الحيلة؟! فجعل لا يزيده على النباح، فلما يئس منه انصرف يائسا مما يطالبه به.

تعليقات