حقوق العاملين في الدعارة!



السلام عليكم

سأل الخليفة هارون الرشيد أبو يوسف القاضي عن حقوق السجناء وكيف يتم التعامل معهم فكتب إليه القاضي رسالة تضمنت أيضاً حقوق أهل الدعارة والفسق والتلصص أثناء سجنهم!

كتب أبو يوسف القاضي إلى الخليفة هارون الرشيد : وأما ما سألت عنه يا أمير المؤمنين من أمر أهل الدعارة والفسق والتلصص، إذا أخذوا في شيء من الجنايات وحبسوا: هل يجرى عليهم ما يقوتهم في الحبس؟ والذي يجري عليهم من الصدقة أو من غير الصدقة؟ وما ينبغي أن يعمل به فيهم.

 لابد لمن كان في مثل حالهم إذا لم يكن له شيء يأكل منه، لا مال ولا وجد شيء يقيم به بدنه، أن يجري عليه من الصدقة أو من بيت المال، من أي الوجهين فعلت فذلك موسع عليك، وأحب إليّ أن تجري من بيت المال على كل واحد منهم ما يقوته، فإنه لا يحل ولا يسع إلا ذلك.

قال: والأسير من أسرى المشركين لابد أن يطعم ويحسن إليه حتى يحكم فيه، فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب؛ يترك يموت جوعاً؟ وإنما حمله على ما صار إليه القضاء أو الجهل، ولم تزل الخلفاء يا أمير المؤمنين تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وأدمهم وكسوتهم الشتاء والصيف، وأول من فعل ذلك علي ابن أبي طالب بالعراق، ثم فعله معاوية بالشام، ثم فعل ذلك الخلفاء من بعده.

قال: كان علي بن أبي طالب إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه، فإن كان له مال أنفق عليه من ماله، وإن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين. وقال: يحبس عنهم شره، وينفق عليه من بيت مالهم.

وأضاف أبو يوسف القاضي: كتب عمر بن عبدالعزيز: "لا تدعن في سجونكم أحداً من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلي قائماً، ولا تبيتن في قيد إلا رجلا مطلوبا بدم، وأجروا عليهم من الصدقة ما يصلحهم في طعامهم وأدمهم، والسلام".

وأضاف: فمر بالتقدير لهم ما يقوتهم في طعامهم وأدمهم، وصير ذلك دراهم تجري عليهم في كل شهر يدفع ذلك إليهم، فإنك إن أجريت عليهم الخبز ذهب به ولاة السجن والقوّام والجلاوزة، وولّ ذلك رجلا من

أهل الخير والصلاح يثبت أسماء من في السجن ممن تجري عليهم الصدقة، وتكون الأسماء عنده، ويدفع ذلك إليهم شهراً بشهر، يقعد ويدعو باسم رجل رجل ويدفع ذلك إليه في يده، فمن كان منهم قد أطلق وخلي سبيله رد ما يجري عليه، وكسوتهم في الشتاء قميص وكساء، وفي الصيف قميص وإزاره، ويجري على النساء مثل ذلك وكسوتهن في الشتاء قميص ومقنعة وكساء، وفي الصيف قميص وإزار ومقنعة، إن ابن آدم لم يعر من الذنوب، فتفقد أمرهم ومر بالإجراء عليهم مثل ما فسرت لك، ومن مات منهم ولم يكن له ولي ولا قرابة غسل وكفن من بيت المال، وصلي عليه ودفن.

وللتخفيف من عدد المحبوسين أشار القاضي أبو يوسف بالطرق الكفيلة بذلك بقوله: " ولو أمرت بإقامة الحدود لقل أهل الحبس، ولخاف الفساق وأهل الدعارة، ولتناهوا عما هم عليه، وإنما يكثر أهل الحبس لقلة النظر في أمرهم، إنما هو حبس وليس فيه نظر، فمر ولاتك جميعاً بالنظر في أمر أهل الحبوس في كل يوم، فمن كان عليه أدب أدّب وأطلق، ومن لم يكن له قضية خلي عنه، وتقدم إليهم أن لا يسرفوا في الأدب، ولا يتجاوزوا بذلك إلى ما لا يحل ولا يسع، فإنه بلغني أنهم يضربون الرجل في التهمة وفي الجناية الثلاثمائة والمائتين وأكثر وأقل، وهذا مما لا يحل ولا يسع؛ ظهر المؤمن حمى إلا من حق يجب بفجور أو قذف أو سكر، أو تعزير لأمرٍ أتاه لا يجب فيه حد، وليس يضرب في شيء من ذلك، كما بلغني أن ولاتك يضربون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين.

ومعنى هذا الحديث عندنا - والله أعلم - أنه نهى عن ضربهم من غير أن يجب عليهم حد يستحقون به الضرب، وهذا الذي بلغنا أن ولاتك يفعلونه ليس من الحكم والحدود في شيء، ليس يجب مثل هذا على جاني الجناية صغيرة ولا كبيرة، من كان منهم أتى ما يجب عليه فيه قود أو حد أو تعزير، أقيم عليه ذلك، وكذلك من جرح منهم جراحة في مثلها قصاص، وقامت عليه البينة بذلك قيس جرحه واقتص منه إلا

أن يعفو المجني عليه. فإن لم يكن يستطاع في مثلها قصاص حكم عليه بالأرش، وعوقب وأطيل حبسه حتى يحدث توبة ثم يخلى عنه، وكذلك من كان منهم سرق ما يجب فيه القطع قطع، إن الأجر في إقامة الحدود كبير.


السلام عليكم

تعليقات