كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له عروة بن مرثد وكنيته أبو الأعز، زار أبناء أخته، وكانوا من قريش، وكان رجالهم قد خرجوا إلى ضياعهم وأعمالهم وذلك في شهر رمضان، وبقيت النساء يصلين في مسجدهم، فلم يبق في الدار إلا كلب كان يتجول فرأى بيتا فدخل وانصفق الباب عليه، فسمع الحركة بعض الإماء فظنوا أن لصا قد دخل الدار فذهبت إحداهن إلى أبي الأعز، وليس في الحي رجل غيره، فأخبرته أن لصاً دخل البيت فقال أبو الأعز: ما يبتغي اللص منا؟! ثم أخذ عصاه وجاء حتى وقف على باب البيت فقال: إيه يا هذا أما والله إنك بي لعارف، وإني بك أيضا لعارف، فهل أنت إلا من لصوص بني مازن، شربت حامضا خبيثا، حتى إذا دارت الأقداح في رأسك منتك نفسك الأماني، وقلت دور بني عمرو، والرجال خلوف، والنساء يصلين في مسجدهن، فأسرقهن! سوءة والله، ما يفعل هذا الأحرار! لبئس والله ما منتك نفسك! فاخرج وإلا دخلت عليك فنلت مني العقوبة! لايم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفة مشؤومة عليك، يلتقي فيها الحيان: عمرو وحنظلة، ويصير أمرك إلى تباب، ويجيء سعد بعدد الحصى، ويسيل عليك الرجال من هاهنا وهاهنا!! ولئن فعلت لتكونن أشأم مولود في بني تميم!! فلما رأى أنه لا يجيبه أخذه باللين وقال:
اخرج يا بني وأنت مستور، إني والله ما أراك تعرفني، ولو عرفتني لقد قنعت بقولي واطمأننت إلي، أنا عروة بن مرثد أبو الأعز المرثدي، وأنا خال القوم وجلدة ما بين أعينهم لا يعصونني في أمر، وأنا لك بالذمة كفيل خفير، أصيرك بين شحمة أذني وعاتقي لا تضار، فاخرج فأنت في ذمتي، وإلا فإن عندي قوصرتين إحداهما إلى ابن أختي البار الوصول. فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وسكت عن الحركة، وإذا سكت وثب يريد المخرج، فتهافت الأعرابي وتعب وتساقط ، ثم قال: يا ألأم الناس وأوضعهم، ألا يأني لك أنا منذ الليلة في واد وأنت في آخر، إذا قلت لك السوداء والبيضاء تسكت وتطرق، فإذا سكت عنك تريد المخرج؟! والله لتخرجن بالعفو عنك أو لألجن عليك البيت بالعقوبة! فلما طال وقوفه جاءت جارية من إماء الحي فقالت: أعرابي مجنون!! والله ما أرى في البيت شيئا!! ودفعت الباب فخرج الكلب يجري وحاد عنه أبو الأعز مستلقيا، وقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا، وكفاني منك حربا!! ثم قال: تالله ما رأيت كالليلة، ما أراه إلا كلبا!! أما والله لو علمت بحاله لو لجت عليه.
تعليقات
إرسال تعليق