أهم تعاليم الإسلام التي حرص النبي عليه الصلاة والسلام على نشرها في أضخم تجمع للمسلمين على الإطلاق



 عندما حان موعد الحج من العام العاشر للهجرة، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيحج بنفسه في الناس هذا الموسم، وأمر بالتجهز للذهاب إلى مكة، ثم ما لبث أن غادر المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة. وانهال المسلمون على مكة من كل مكان لكي يشهدوا أول حجة مع رسول الله. وانطلق آلاف المسلمين، القدماء والجدد، وراء نبيهم وهو يريهم مناسكهم ويعلمهم سنن حجهم. وفي هذا التجمع الكبير ألقى صلى الله عليه وسلم في أتباعه خطاباً جامعاً يؤكد فيه تعاليم الإسلام التي بعث من أجلها، فوقف بين أيديهم في عرفات، وشفق المغيب يلقي على جبهته مزيدا من النور والمهابة والجلال، وراح يلقي كلماته التي سميت فيما بعد بخطبة الوداع، ومن ورائه رجل جهوري الصوت –ربيعة بن أمية بنخلف- يصرخ بكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم ليسمعها ألوف الحجيج قال:

"أيها الناس، اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا. أيها النّاس! إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت. فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، وإنّ كلّ ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنّه لا ربا، وإنّ ربا العباس بن عبد المطّلب موضوع كلّه. وإنّ كلّ دم كان في الجاهلية موضوع، وإنّ أول دمائكم أضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- وكان مسترضعا في بني ليث، فقتلته هذيل- فهو أوّل ما أبدأ به من دماء الجاهليّة. أما بعد: أيها الناس، إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً، ولكنّه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم!!. أيها الناس! إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ ويحرّموا ما أحلّ الله. وإنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب الذي بين جمادى وشعبان. أما بعد: أيها الناس، فإنّ لكم على نسائكم حقّا، ولهنّ عليكم حقّا. لكن عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، وعليهنّ ألا يأتين بفاحشة مبيّنة؛ فإن فعلن فإنّ الله قد أذن لكم أن تهجروهنّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن انتهين فلهنّ رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهنّ شيئا. وإنّكم إنّما أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، فاعقلوا أيها الناس قولي فإنّي قد بلّغت. وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بيّنا: كتاب الله وسنّة نبيّه. أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنّ أنّ كلّ مسلم أخ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة، فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمنّ أنفسكم، اللهم هل بلغت؟" . قالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمّ اشهد" . كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد- بعد بلاء طويل في إبلاغ الرسالة- أن يفرّغ في آذان الناس وقلوبهم آخر ما لديه من نصح. لقد أجيبت دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السّلام حين هتف وهو يبني البيت العتيق: { رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ١٢٩ البقرة. وفي يوم عرفة من هذه الحجة العظيمة نزل قول الله عز وجلّ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً } المائدة: ٣. وعندما سمعها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنّه ليس بعد الكمال إلا النقصان. وكأنّه استشعر وفاة النبيّ صلوات الله عليه وسلامه. وبعد ذلك بقليل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للوفود المحتشدة حوله عند جمرة العقبة، ما يشعر بحلول الأجل القريب "خذوا عني مناسككم، فلعلي لا أحج بعد عامي هذا" .

تعليقات