حكى الصولي وإبراهيم بن المهدي أن الخليفة الأمين أمر أن يفرش له بساط فبسط وطرح عليه نمارق، وملئ من آنية الذهب المرصعة بالجوهر وسط روائح المسك والعنبر .
وحضر بين يديه عشر مغنيات، فابتدأت واحدة منهن فغنت بشعر للوليد بن عقبة قاله في عثمان رحمه الله:
همُ قتلوه كي يكونوا مكانهُ ... كما غدرتْ يوماً بكسرى مرازبهُ
فإلا يكونوا قاتليه فإنه ... سواءٌ علينا ممسكاه وضاربه
فتأفف الخليفة الأمين ولعنها، لأنها غنت بأبيات تشاءم منها حيث كان القتال على الخلافة مستعر بينه وبين أخيه المأمون .
وقال الأخرى: غني، فغنت:
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجهِ نهارِ
يجدِ النساءَ حواسراً يندبنُ ... بالليلِ قبلَ تبلجَ الأسحارِ
فزاد ضجره، ولعنها وقال للأخرى: غني، فغنت:
كليبٌ لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسرُ جرماً منكَ ضرج بالدمِ
فاشتد ذلك عليه ثم قال لها: غني غير هذا! فغنت:
أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرُّق للأحبابِ بكاءُ
ما زال يعدو عليهم ريبُ دهرهمُ ... حتى تفانوا وريبُ الدهرِ عدَّاِءِ
فقال لها: لعنك الله، أما تعرفين غير هذا؟ فقالت: ما تغنيت إلا بما كنت تقترحه علي وتستدعي مني ثم غنت:
أما وربَّ سكونِ والحركِ ... إنَّ المنايا كثيرةُ الشركِ
ما اختلف الليلُ والنهارُ ولا ... دارتْ نجومُ السماءِ في الفلك
إلاَّ لنقل السلطانِ من ملك ... عانٍ بحبِّ الدنيا إلى ملك
وملكُ ذي العرش دائمٌ أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشركِ
فقال لها قومي غضب الله عليك ولعنك!
فنهضت وعثرت بقدح بلور حسن الصنعة فكسرته.
فقال: أما ترى! أظن أمري قد قرب ونهض، وأمر بنقض المجلس تطيراً بما جرى.
بعد أيام قتل الأمين على يد المأمون الذي جلس مكانه في دار الخلافة.
تعليقات
إرسال تعليق