السيرة النبوية (2).. قصص وأدلة على معرفة اليهود والنصارى بنبوة ورسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام

 


كل الأنبياء بشروا أقوامهم بالنبي محمد وأمروهم بطاعته إذا بعث

وَكَانَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرُّهْبَانُ مِنَ النَّصَارَى، وَالْكُهَّانُ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُهُ.
أَمَّا الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالرُّهْبَانُ مِنَ النَّصَارَى فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مَنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إِلَيْهِمْ فِيهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المفلحون }.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }.
وَقَالَ  تَعَالَى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكفَّار وعد الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجرا عَظِيما }.
وَقَالَ تَعَالَى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي؟ قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ، لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنَنَّ وَلِيَنْصُرُنَّهُ.
 وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ ولينصرنه وليتبعنه ".
فعلم مِنْ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ.
وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا دَعَا بِهِ لِأَهْلِ مَكَّةَ: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عليهم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحكمَة ويزكيهم إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم }.
وروى أَحْمَدُ عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ.
قَالَ: " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ".
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ: بَدْءَ أَمْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاشْتِهَارَ ذِكْرِهِ وَانْتِشَارَهُ.
فَذَكَرَ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْعَرَبُ.
 ثُمَّ بُشْرَى عِيسَى الَّذِي هُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
ويَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا بِهِ أَيْضًا.
كما روى أَحْمَدُ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ.
 وَسَأُنْبِئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ، دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، ورؤيا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ ".
وروى أَحْمَدُ عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، مَتى كنت نَبيا؟ قَالَ: " وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ".
 

اليهود كانوا يعلمون باسم وصفة النبي قبل أن يبعث

قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الْإِسْلَامِ - مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَدَاهُ لَنَا - أَنْ كُنَّا نَسْمَعُ من رجل من يهود.
 - كُنَّا أهل شرك أَصْحَاب أوثان، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تزَال بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا: إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زمَان نبي يبْعَث الْآن نقلتكم مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَكُّنَا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ.
فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرُوا بِهِ.
فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كتاب من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فلعنة الله على الْكَافرين }.
وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ بِخَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ.
فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ، فَعَاذَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَن تخرجه فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ.
قَالَ: فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَزَمُوا غَطَفَانَ.
فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم كفرُوا بِهِ.
فَأنْزل الله عز وجل { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةَ.
وروى ابْنُ إِسْحَاقَ عَن مَحْمُود ابْن لبيد، عَن سَلمَة بن سَلام بْنِ وَقْشٍ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ:
 كَانَ لَنَا جَارٌ مَنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ.
قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سنا على فَرْوَة لي مضطجع فِيهَا بِفنَاء أهلي.
 فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ.
قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْت.
فَقَالُوا لَهُ: وَيحك يَا فلَان! أَو ترى هَذَا كَائِنًا، أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟
 قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ.
 وَيَوَدُّ أَن لَهُ تحطة من تِلْكَ النَّار أعظم تنور فِي الدَّار يحمونه ثمَّ يدخلونه إِيَّاه فيطبقونه عَلَيْهِ وَأَن يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا.
قَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ.
قَالُوا: وَمَتَى نرَاهُ؟
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا -
 فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدَ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ.
قَالَ سَلمَة: فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا.
 فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا! .
قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ وَيْحَكَ يَا فُلَانُ! أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.

يوشع اليهودي يروي صفة النبي قبل أن يولد

رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
 سَمِعْتُ أَبِي مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ يَقُولُ: جِئْتُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَوْمًا لِأَتَحَدَّثَ فِيهِمْ، وَنَحْنُ يَوْمئِذٌ فِي هُدْنَةٍ مِنَ الْحَرْبِ.
 فَسَمِعْتُ يُوشَعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ: أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ يُقَالَ لَهُ أَحْمَدُ يُخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ.
فَقَالَ لَهُ خَلِيفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَشْهَلِيُّ، كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ: مَا صِفَتُهُ؟
 فَقَالَ: رَجُلٌ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، يَلْبَسُ الشَّمْلَةَ وَيَرْكَبُ الْحِمَارِ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهَذَا الْبَلَدَ مُهَاجَرُهُ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي بَنِي خُدْرَةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَتَعَجَّبُ مِمَّا يَقُولُ يُوشَعُ، فَأَسْمَعُ رَجُلًا مِنَّا يَقُولُ: وَيُوشَعُ يَقُولُ هَذَا وَحْدَهُ؟ ! كُلُّ يَهُودَ يَثْرِبَ يَقُولُونَ هَذَا.
قَالَ أَبِي مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَجِدُ جَمْعًا، فَتَذَاكَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ الَّذِي لَمْ يطلع إِلَّا لخُرُوج نبى أَو ظُهُوره، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَحْمَدُ، وَهَذَا مُهَاجَرُهُ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَبِي هَذَا الْخَبَرَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أسلم الزبير لأسلم ذووه مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، إِنَّمَا هُمْ لَهُ تَبَعٌ ".

وروى أَبُو نعيم عن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ: كَانَ أَحْبَارُ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ يَذْكُرُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 فَلَمَّا طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ أَخْبَرُوا أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَنْكَرُوا وَحَسَدُوا وَكَفَرُوا.

وروى أَبُو نُعَيْمٍ وَمُحَمّد بن حبَان عن زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قال: قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ: قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ.
وكان الملك تُبَّعٍ الْيَمَانِيّ أَبُو كرب أَسْعَدَ قد قدم إِلَى الْمَدِينَةِ وحاصرها فخَرَجَ إِلَيْهِ حَبْرَانِ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَا لَهُ: إِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، إِنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
فَثَنَاهُ ذَلِكَ عَنْهَا.

هكذا أسلم سادات من اليهود وفارقوا قومهم

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ قَالَ لِي:
 هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ .
- نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ، إِخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثمَّ كَانُوا ساداتهم فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: قُلْتُ لَا.
قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ يُقَالَ لَهُ ابْنُ الْهَيِّبَانِ قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ.
فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ.
فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ عَنَّا الْمَطَرُ قُلْنَا لَهُ: اخْرُجْ يَا ابْنَ الْهَيِّبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا.
فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرِجِكُمْ صَدَقَةً.
فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شعير.
 قَالَ: فَنُخْرِجُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهِرِ حرتنا فيستسقى لنا، فو الله مَا يبرح مَجْلِسه حَتَّى يمر السَّحَاب ويسقى.
قد فعل ذَلِك غَير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا.
قَالَ: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟
 قَالَ: قُلْنَا أَنْتَ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَإِنِّي إِنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَتَوَكَّفُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ.
 هَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ.
 وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ فَلَا تُسْبَقْنَ إِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ.
 فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ.
فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا،: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيِّبَانِ.
قَالُوا: لَيْسَ بِهِ.
قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ.
فَنَزَلُوا فَأَسْلَمُوا فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قال: إِنَّ اللَّهَ لما أَرَادَ هدى زيد بن سعية قَالَ زيد:
 لم يبْق شئ من عَلَامَات النُّبُوَّة إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يسْبق حلمه جَهله، وَلَا يزِيدهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا.
قَالَ: فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ وَجَهْلَهُ.
فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَافِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مَالا فِي ثَمَرَة.
قَالَ: فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ - وَهُوَ فِي جِنَازَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِ - وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، وَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ أَلا تقضيني حقى؟ فو الله مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ.
قَالَ: فَنظر إِلَي عمر وَعَيناهُ تدوران فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ، وَتَفْعَلُ مَا أَرَى؟
 فو الذى بَعثه بِالْحَقِّ لَوْلَا مَا أحاذر لومه لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ.
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ.
ثُمَّ قَالَ: " أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ. وَزِدْ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ".
فَأَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ سعية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَهِدَ بَقِيَّةَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُوُفِّيَ عَامَ تَبُوكَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

النبي صلى الله عليه وسلم ويهودي يموت

 روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ قال حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ قَالَ: جَلَبْتُ جَلُوبَةً إِلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعِي قُلْتُ لَأَلْقَيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلْأَسْمَعَنَّ مِنْهُ.
قَالَ: فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ.
 فَتَبِعْتُهُمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ نَاشِرَ التَّوْرَاةِ يَقْرَؤُهَا يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ عَنِ ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، هَل تجدني فِي كِتَابِكَ ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟
" فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا - أَيْ لَا - .
فَقَالَ ابْنُهُ: إِيْ وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
فَقَالَ: " أَقِيمُوا الْيَهُودِيَّ عَنْ أَخِيكُمْ " ثُمَّ وَلِيَ كَفْنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ.
وروى أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ عَنْ الصلتان بْنِ عَاصِمٍ وَذَكَرَ أَنَّ خَالَهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى رَجُلٍ.
 فَإِذَا يَهُودِيٌّ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَنَعْلَانِ.
قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسلم: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالَ: لَا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ " قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: " أَتَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ؟ " قَالَ: نعم.
قَالَ: " وَالْقُرْآن؟ " قَالَ: لَا. وَلَو تَشَاءُ قَرَأْتُهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَبِمَ تَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، أَتَجِدُنِي نَبِيًّا؟
 " قَالَ: إِنَّا نَجِدُ نَعْتَكَ وَمَخْرَجَكَ، فَلَمَّا خَرَجْتَ رجونا أَن تكون فِينَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاك عرفناك أَنَّكَ لَسْتَ بِهِ.
قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلِمَ يَا يَهُودِيُّ؟ "
قَالَ: إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا: يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا نَرَى مَعَكَ إِلَّا نَفَرًا يَسِيرًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أُمَّتِي لَأَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا".

ماذا دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلم رجل في اليهود

روى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فَقَالَ " أَخْرِجُوا أَعْلَمَكُمْ " .
فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا.
فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 فَنَاشَدَهُ بِدِينِهِ، وَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَطْعَمَهُمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَظَلَّلَهُمْ بِهِ مِنَ الْغَمَامِ " أَتَعْلَمُنِي رَسُولَ اللَّهِ؟ "
قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
وَإِنَّ الْقَوْمَ لَيَعْرِفُونَ مَا أَعْرِفُ، وَإِنَّ صِفَتَكَ وَنَعْتَكَ لَمُبَيَّنٌ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ حَسَدُوكُ.
قَالَ " فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْتَ؟ "
 قَالَ: أَكْرَهُ خِلَافَ قَوْمِي.
وَعَسَى أَنْ يَتَّبِعُوكَ وَيُسْلِمُوا فَأُسْلِمُ.

صفة النبي المكتوبة في التوراة

روى ابن إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ :
" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَاحِبِ مُوسَى، وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدِّقِ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَالَ لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَأَهْلَ التَّوْرَاةِ، إِنَّكُمْ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا رسول اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سوقه يعجب الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.
وَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
 وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْلَافِكُمْ وَأَسْبَاطِكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى.
 وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتَّى أَنْجَاكُمْ مَنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إِلَّا أَخْبَرْتُمُونَا هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ؟
 فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
 وَأَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروى أَحْمَدُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ.
فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ.
 أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ.
 لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ وَلَا صَخَّابٌ فِي الاسواق.
وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ.
وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمُوا الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
يَفْتَحُ بِهِ أعينا عميا وآذنا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا".

وروى البيهقى عَن عُثْمَان بْنِ الْحَكَمِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ حَدَّثَنِي بَعْضُ عُمُومَتِي وَآبَائِي أَنَّهُمْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَرَقَةٌ يَتَوَارَثُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَبقيت عِنْدَهُمْ.
 فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ذَكَرُوهَا لَهُ وَأَتَوْهُ بِهَا مَكْتُوبٌ فِيهَا:
 بِسْمِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ وَقَوْلُ الظَّالِمِينَ فِي تَبَابٍ.
 هَذَا الذِّكْرُ لِأُمَّةٍ تَأْتِي فِي آخر الزَّمَان، يغسلون أَطْرَافَهُمْ وَيَأْتَزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ.
 وَيَخُوضُونَ الْبُحُورَ إِلَى أَعْدَائِهِمْ.
 فِيهِمْ صَلَاةٌ لَوْ كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ مَا أُهْلِكُوا بِالطُّوفَانِ، وَفِي عَادٍ مَا أُهْلِكُوا بِالرِّيحِ، وَفِي ثَمُودَ مَا أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ.
بِسم الله وَقَوله الْحق وقول الظَّالِمِينَ فِي تِبَابٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً أُخْرَى.
قَالَ فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَرَأت عَلَيْهِ فِيهَا.

رؤيا عبد المطلب: شجرة تمتد أغصانها للمشرق والمغرب

روى أَبُو نُعَيْمٍ أنُ أَبَا طَالِب كانٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي.
 فَفَزِعْتُ مِنْهَا فَزَعًا شَدِيدًا.
 فَأَتَيْتُ كَاهِنَةَ قُرَيْشٍ وَعَلَيَّ مُطْرَفُ خَزٍّ وَجُمَّتِي تَضْرِبُ مَنْكِبَيَّ.
فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْ فِي وَجْهِي التَّغَيُّرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قَوْمِي.
 فَقَالَتْ: مَا بَالُ سَيِّدِنَا قَدْ أَتَانَا مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟
 هَل رابه من حدثان الدَّهْر شيء؟
فَقلت لَهَا: بلَى!
وَكَانَ لَا يكلمها أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يُقَبِّلَ يَدَهَا الْيُمْنَى، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهَا ثُمَّ يذكر حَاجته، وَلم أفعل لأني كَبِيرُ قَوْمِي.
فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ كَأَنَّ شَجَرَةً نَبَتَتْ قَدْ نَالَ رَأْسُهَا السَّمَاءَ وَضَرَبَتْ بِأَغْصَانِهَا الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ.
 وَمَا رَأَيْتُ نُورًا أَزْهَرَ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ سَبْعِينَ ضِعْفًا.
وَرَأَيْتُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ سَاجِدِينَ لَهَا وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ سَاعَةٍ عِظَمًا وَنُورًا وَارْتِفَاعًا.
سَاعَةً تَخْفَى وَسَاعَةً تَزْهَرُ.
 وَرَأَيْتُ رَهْطًا مَنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَلَّقُوا بِأَغْصَانِهَا، وَرَأَيْتُ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُونَ قَطْعَهَا.
فَإِذَا دَنَوْا مِنْهَا أَخَّرَهُمْ شَابٌّ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُ رِيحًا، فيكسر أظهرهم ويقلع أَعينهم.
فَرفعت يدى لَا تنَاول مِنْهَا نَصِيبًا، فَمَنَعَنِي الشَّابُّ.
 فَقُلْتُ: لِمَنِ النَّصِيبُ؟ فَقَالَ: النَّصِيبُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِهَا وَسَبَقُوكَ إِلَيْهَا.
فَانْتَبَهْتُ مَذْعُورًا فَزِعًا.
فَرَأَيْتُ وَجْهَ الْكَاهِنَةِ قَدْ تَغَيَّرَ.
 ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يَمْلِكُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَيَدِينُ لَهُ النَّاسُ.
ثُمَّ قَالَ - يَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ - لِأَبِي طَالِبٍ لَعَلَّكَ تَكُونُ هَذَا الْمَوْلُودَ.
قَالَ: فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بعد مَا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبعد مَا بُعِثَ.
ثُمَّ قَالَ  كَانَتِ الشَّجَرَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَبَا الْقَاسِمِ الْأَمِينَ، فَيُقَالُ لِأَبِي طَالِبٍ: أَلَا تؤمن؟ فَيَقُول: السبة والعار!

ماذا دار بين حبر يهودي من اليمن وبين وأبو سفيان والعباس عمّ النبي وقت بعثته

روى أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: خَرَجْتُ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْيَمَنِ فِي رَكْبٍ - مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ.
فَقَدِمْتُ الْيَمَنَ فَكُنْتُ أَصْنَعُ يَوْمًا طَعَامًا وَأَنْصَرِفُ بِأَبِي سُفْيَانَ وَبِالنَّفَرِ.
 وَيَصْنَعُ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمًا، وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ.
 فَقَالَ لِي فِي يَوْمِي الَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَنْ تَنْصَرِفَ إِلَى بَيْتِي وَتُرْسِلَ إِلَيَّ غَدَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَانْصَرَفْتُ أَنَا وَالنَّفَرِ إِلَى بَيْتِهِ وَأَرْسَلْتُ إِلَى الْغَدَاءِ.
فَلَمَّا تَغَدَّى الْقَوْمُ قَامُوا وَاحْتَبَسَنِي.
فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتَ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟
 فَقُلْتُ: أَيُّ بَنِي أَخِي؟
 فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِيَّايَ تَكْتُمُ؟ !
وَأَيُّ بَنِي أَخِيكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ!
قُلْتُ وَأَيُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلَ؟
 قَالَ: بَلَى قَدْ فَعَلَ.
وَأَخْرَجَ كِتَابًا باسمه مِنِ ابْنِهِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِيهِ:
أُخْبِرُكَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَامَ بِالْأَبْطَحِ فَقَالَ: " أَنَا رَسُول أدعوكم إِلَى الله عز وجل ".
 فَقَالَ الْعَبَّاس: قلت أَجِدهُ يَا أَبَا حَنْظَلَة صَادِقا.
فَقَالَ: مهلا يَا أَبَا الْفضل، فو الله مَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا.
إِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عَلَيَّ ضَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيث.
ِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بَرِحَتْ قُرَيْشٌ تَزْعُمُ أَنَّ لَكُمْ هَنَةً وَهَنَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَايَةٌ!
 لَنَشَدْتُكَ يَا أَبَا الْفَضْلِ هَلْ سَمِعْتَ ذَلِكَ؟
 قُلْتُ: نَعَمْ قَدْ سَمِعْتُ.
قَالَ فَهَذِهِ وَاللَّهِ شُؤْمَتُكُمْ.
قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا يُمْنَتُنَا.
قَالَ: فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا لَيَالٍ حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
 فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الْيَمَنِ.
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْلِسُ مَجْلِسًا بِالْيَمَنِ يَتَحَدَّثُ فِيهِ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ.
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ بَلَغَنِي أَنَّ فِيكُمْ عَمَّ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ مَا قَالَ؟
 قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: صَدَقُوا، وَأَنَا عَمُّهُ.
 فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَخُو أَبِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَحَدِّثْنِي عَنْهُ.
قَالَ: لَا تَسْأَلْنِي! مَا أُحِبُّ أَنَّ يَدَّعِيَ هَذَا الْأَمْرَ أَبَدًا، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَعِيبَهُ وَغَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ.
فَرَأى الْيَهُودِيّ أَنه لَا يغمس عَلَيْهِ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعِيبَهُ.
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسَ عَلَى الْيَهُودِ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى.
قَالَ الْعَبَّاسُ: فَنَادَانِي الْحَبْرُ.
 فَجِئْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى جَلَسْتُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ مِنَ الْغَدِ وَفِيهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَبْرُ.
فَقُلْتُ لِلْحَبْرِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ سَأَلْتَ ابْنَ عَمِّي عَنْ رَجُلٍ مِنَّا زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبرك أَنَّهُ عَمُّهُ، وَلَيْسَ بِعَمِّهِ، وَلَكِنِ ابْنَ عَمِّهِ، وَأَنَا عَمُّهُ وَأَخُو أَبِيهِ.
قَالَ: أَخُو أَبِيهِ؟
قُلْتُ: أَخُو أَبِيهِ.
فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: صَدَقَ؟

فَقُلْتُ: سَلْنِي فَإِن كذبت فليرد عَلَيَّ.
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ هَلْ كَانَ لِابْنِ أَخِيكِ صَبْوَةٌ أَوْ سَفَهَةٌ.
قُلْتُ: لَا وَإِلَهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا كَذَبَ وَلَا خَانَ، وَإِنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عِنْدَ قُرَيْشٍ الْأَمِينَ.
قَالَ: فَهَلْ كَتَبَ بِيَدِهِ؟
قَالَ الْعَبَّاسُ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أقولها، ثمَّ ذكرت مَكَان أَبى سُفْيَان يكذبني وَيرد علي فَقلت: لَا يكْتب.
 فَوَثَبَ الحبر وَنزل رِدَاؤُهُ وَقَالَ: ذُبِحَتْ يَهُودُ، وَقُتِلَتْ يَهُودُ!
 قَالَ الْعَبَّاسُ: فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَفْزَعُ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ.
قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ، فَهَلْ لَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا كُنْتَ قَدْ سَبَقْتَ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَمَعَكَ غَيْرُكَ مِنْ أَكْفَائِكَ.
قَالَ: لَا أَومن بِهِ حَتَّى أَرَى الْخَيْلَ فِي كَدَاءٍ.
قُلْتُ: مَا تَقُولُ؟
 قَالَ: كَلِمَةٌ جَاءَتْ عَلَى فَمِي، إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتْرُكُ خَيْلًا تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءٍ.
قَالَ الْعَبَّاسُ: فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَنَظَرْنَا إِلَى الْخَيْلِ وَقَدْ طَلَعَتْ مِنْ كَدَاءٍ.
قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ تَذْكُرُ الْكَلِمَةَ؟ !
 قَالَ: إِي وَاللَّهِ إِنِّي لَذَاكِرُهَا! فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ.


رهبان النصارى كانوا يعرفون علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
روى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ رَاهِبٌ مِنَ الرُّهْبَانِ يُدْعَى عِيصًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
 وَكَانَ مُتَخَفِّرًا بِالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ.
 وَكَانَ اللَّهُ قَدْ آتَاهُ عِلْمًا كَثِيرًا وَجَعَلَ فِيهِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ طِيبٍ وَرِفْقٍ وَعِلْمٍ.
وَكَانَ يَلْزَمُ صَوْمَعَةً لَهُ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ فِي كُلِّ سَنَة.
ٍ فَيَلْقَى النَّاس وَيَقُول: إِنَّه يُوشك أَن يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَدِينُ لَهُ الْعَرَبُ وَيَمْلِكُ الْعَجَمَ، هَذَا زَمَانُهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَاتَّبَعَهُ أَصَابَ حَاجَتَهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ فخالفه أَخطَأ حَاجته، وَبِاللَّهِ مَا تَرَكْتُ أَرْضَ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ وَالْأَمْن،ِ وَلَا حَلَلْتُ بِأَرْضِ الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ وَالْخَوْفِ إِلَّا فِي طلبه.
وَكَانَ لَا يُولد بِمَكَّة مولود إِلَّا يَسْأَلُ عَنْهُ، فَيَقُولُ مَا جَاءَ بَعْدُ.
 

قصة إسلام سلمان الفارسي
وقد روى ابْنُ إِسْحَاقَ قصة إِسْلَامَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
 قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - مِنْ فِيهِ - قَالَ:
 كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَة يُقَال لَهَا جي.
 وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ الله إِلَيْهِ.
فَلم يزل حبه إياي حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ.
وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قَطِنَ النَّارِ الذى يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً.
قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ.
قَالَ: فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إِلَيْهَا فَاطَّلِعْهَا.
 وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ.
ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَا تَحْتَبِسْ عَنِّي فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي كُنْتَ أَهَمَّ إِلَى من ضيعتي وشغلتني عَن كل شيء مِنْ أَمْرِي.
قَالَ: فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الَّتِي بَعَثَنِي إِلَيْهَا.
 فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ.
وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ، لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ.
فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ.
 فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبَتْ فِي أَمْرِهِمْ.
وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ من الدّين الذى نَحن عَلَيْهِ.
فو الله مَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟
 قَالُوا: بِالشَّامِ.
فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ.
فَلَمَّا جِئْتُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْن كنت؟
 ألم أكن أَعهد إِلَيْك مَا عهدته؟
 قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِأُنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دينهم، فوالله مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكِ خَيْرٌ مِنْهُ.
قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا.
قَالَ: فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.
قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبرُونِي بِهِمْ.
قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فجاءوني النَّصَارَى فَأَخْبرُونِي بهم.
فَقلت: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ.
فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ.
فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا؟
 قَالُوا الْأُسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ.
قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ وَأَخْدِمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ فَأُصَلِّي مَعَكَ.
قَالَ: ادْخُلْ.
فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذا جمعُوا لَهُ شَيْئا كَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطَهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ.
قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ.
ثُمَّ مَاتَ وَاجْتَمَعَتْ لَهُ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ.
فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذا جئتموه بهَا كنزها لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا.
قَالَ: فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ.
قَالُوا: فَدَلَّنَا.
قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، فَاسْتَخْرَجُوا سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا.
 
قَالَ: فَصَلَبُوهُ وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ.

وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخر فوضعوه مَكَانَهُ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أرى أَنه أفضل مِنْهُ، وأزهد فِي الدُّنْيَا وَلَا أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا.
قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّ شَيْئًا قَبْلَهُ مِثْلَهُ.
قَالَ: فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ.
 فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَبْلَكَ.
وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلَانٌ، وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ.
فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فَلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ.
فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي.
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ.
 فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ.
فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فَلَانَا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، إِلَّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ.
فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ.
 فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبَايَ.
فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي.
فَأَقَمْتُ عِنْده، فَوَجَدته على أَمر صَاحِبيهِ.
 فأقمت مَعَ خير رجل، فو الله مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ.
 فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، إِلَّا رجل بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَائْتِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.
فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عمورية.
 فَأَخْبَرته الخبر، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي.
فَأَقَمْتُ عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ.
قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَت لي بقرات وغنيمة.
قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ.
فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ.
ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَبِمَ تَأْمُرنِي؟
قَالَ: أَي بنى، وَالله مَا أعلم أَصْبَحَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ من النَّاس آمُرك أَنْ تَأْتِيَهُ.
 وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُ نَبِيٍّ مَبْعُوثٍ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ.
بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ، وَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ.
 
ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ.

فَقُلْتُ لَهُمُ احْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنِيمَتِي هَذِهِ.
قَالُوا: نَعَمْ.
فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ.
حَتَّى إِذَا بَلَغُوا وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ عَبْدًا.
 فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقَّ فِي نَفْسِي.
فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَة.
فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي لَهَا، فَأَقَمْتُ بِهَا.
وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، وَلَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة.
فو الله إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ.
 وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:
 يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ –الأنصار- وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمُجْتَمِعُونَ الْآنَ بِقِبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ من مَكَّة الْيَوْم يَزْعمُونَ أَنه نبي.
قَالَ سلمَان: فَلَمَّا سَمعتهَا أخذتني الرعدة حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَاقِطٌ عَلَى سَيِّدِي، فَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ.
 فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟
 قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لكمة شَدِيدَة.
ثمَّ قَالَ مَالك وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَا شيء إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ عَمَّا قَالَ.
قَالَ: وَقد كَانَ عِنْدِي شيء قَدْ جَمَعْتُهُ.
 فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقِبَاءَ.
 فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَاب لَك غرباء ذَوُو حَاجَة.
 وَهَذَا شئ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ.
قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " كُلُوا " وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
 
ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا.

وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا.
قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ ثِنْتَانِ.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِه.
ِ وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ اسْتَدْبَرْتُهُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟
 فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شئ وُصِفَ لِي.
 فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ.
فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي.
 فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَوَّلْ " فَتَحَوَّلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
 فَأَعْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَاكَ أَصْحَابُهُ.
ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانُ الرِّقَّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ.
قَالَ سَلْمَانُ: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ ".
 فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ –بئر تغرس فيه فسيلة النخل- وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَصْحَابِهِ: " أَعِينُوا أَخَاكُمْ ".
 فَأَعَانُونِي فِي النَّخْلِ: الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً –صغار الفسيلة- ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِخمْس عشرَة ودية، وَالرجل بِعشْرَة، يُعِينُ الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ.
حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُمِائَةِ وِدِيَّةٍ.
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَائْتِنِي أَكُنْ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي ".
قَالَ: فَفَقَّرْتُ، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي إِلَيْهَا.
فَجَعَلْنَا نقرب إِلَيْهِ الْوَادي، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ.
 حَتَّى إِذا فَرغْنَا، فو الذى نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وِدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.
فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ.
فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ.
فَقَالَ: " مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمَكَاتِبُ؟ "
 قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ .
قَالَ: " خُذْ هَذِهِ فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ ".
قَالَ: قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا على يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ ".
 قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً،فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ.
وَعَتَقَ سَلْمَانُ.
 فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ حُرًّا ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَه مشْهد.
وروى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
 أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ.
 ثُمَّ قَالَ: " خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا " .
فَأَخَذْتُهَا فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ كُلَّهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.
 
لماذا سموا أبناءهم محمد قبل بعثة النبي


َقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ عن خَلِيفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ سواءة بْنِ خَثْعَمِ بْنِ سَعْدٍ فَقُلْتُ: كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ مُحَمَّدًا؟
فَقَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ:
 خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَا مِنْهُمْ.
 وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ دارم.
 وَأُسَامَة بن مَالك بن جُنْدُب ابْن الْعَقِيدِ.
 وَيَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ حَرْبُوصِ بْنِ مَازِنٍ.
 وَنَحْنُ نُرِيدُ ابْنَ جَفْنَةَ مَلِكَ غَسَّانَ.
 فَلَمَّا شَارَفْنَا الشَّامَ نَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عَلَيْهِ شَجَرَاتٌ فَتَحَدَّثْنَا.
فَسَمِعَ كَلَامَنَا رَاهِبٌ، فأشرف عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لُغَةٌ مَا هِيَ بلغَة هَذِه الْبِلَاد.
فَقُلْنَا: نعم نَحن قوم من مُضر.
قَالَ: من أَي المضرين؟ قُلْنَا: مِنْ خِنْدَفٍ.
قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيُبْعَثُ وَشِيكًا نَبِيٌّ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَسَارِعُوا إِلَيْهِ وَخُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْهُ تَرْشُدُوا.
فَقُلْنَا لَهُ: مَا اسْمُهُ؟
قَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ: فَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ جَفْنَةَ فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا ابْنٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا.
يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَمِعَ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ وَلَدَهُ.



تعليقات