إن العلم ليعطيكم على حسب ما تعطونه

 


أيهما أكثر فائدة..القرءة الكثيرة أم الحفظ؟! قال الجاحظ: قال الخليل بن أحمد: تكَّثر من العلم لتعرِف، وتقلل منه لتحفَظ. وقال أبو إسحاق: القليل والكثير للكتب، والقليل وحده للصدر. وأنشد ابن يسير: أما لو أعي كل ما أسمع وأحفظ من ذاك ما أجمع ولم أستفد غير ما قد جمعت لقيل هو العالم المصقع ولكن نفسي إلى كل نوع من العلم تسمعه تنزع فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ولا أنا من جمعه أشبع وأُحصر بالعي في مجلسي وعلمي في الكتب مستودع فمن يك في علمه هكذا يكن دهره القهقرى يرجع إذا لم تكن حافظا واعيا فجمعك للكتب لا ينفع فقال أبو إسحاق: كلّف ابن يسير الكتب ما ليس عليها. إن الكتب لا تحيي الموتى، ولا تحول الأحمق عاقلا، ولا البليد ذكيا، ولكن الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول، فالكتب تشحذ، وترهف وتشفي. ومن أراد أن يعلم كل شيء، فينبغي لأهله أن يداووه! فإن ذلك إنما تَصوَّر له بشيء اعتراه!! فمن كان ذكيا حافظا فليقصِد إلى شيئين، وإلى ثلاثة أشياء، ولا ينزع عن الدرس والمطارحة، ولا يدع أن يمر على سمعه وعلى بصره وعلى ذهنه ما قدِر عليه من سائر الأصناف، فيكون عالما بخواص. ويكون غير غافل من سائر ما يجري فيه الناس ويخوضون فيه. ومن كان مع الدرس لا يحفظ شيئا، إلا نسي ما هو أكثر منه، فهو من الحفظ من أفواه الرجال أبعد. قال أبو عمرو بن العلاء: ما دخلت على رجل قط ولا مررت ببابه، فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ اليد، إلا اعتقدت أنه أفضل منه وأعقل. وقال يونس النحوي: إن علمُك من روحِك، ومالُك من بدنِك، فضعه منك بمكان الروح، وضع مالك بمكان البدن!! وقال ابن داحة: إن العلم ليعطيكم على حساب ما تعطونه. وقال ابن داحة: كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، لا يجالس الناس، وينزل مقبرة من المقابر، وكان لا يكاد يرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه. فسئل عن ذلك، وعن نزوله المقبرة فقال: لم أر أوعظ من قبر، ولا أمنع من كتاب، ولا أسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء! فقال: ما أفسدها للجاهل وأصلحها للعاقل!.

تعليقات