شقلون والهامة والهمامة وتناكح الشياطين، وتسافد العفاريت.. كتب الزنادقة



لماذا يغالي الزنادقة بتحسين كتبهم؟!

قال الجاحظ: قال إبراهيم بن السندي: وددت أن الزنادقة لم يكونوا حرصاء على المغالاة بالورق النقي الأبيض، وعلى تخير الحبر الأسود المشرق البراق، وعلى استجادة الخط، فإني لم أر كورق كتبهم ورقا، ولا كالخطوط التي فيها خطا.
وسخاء النفس بالإنفاق على الكتب دليل على تعظيم العلم.
قلت لإبراهيم: إن إنفاق الزنادقة على تحصيل الكتب، كإنفاق النصارى على البِيع، ولو كانت كتب الزنادقة كتب حِكم وكتب فلسفة، وكتب مقاييس وسنن وتبين وتبيين، أو لو كانت كتبهم كتبا تُعرّف الناس أبواب الصناعات، أو سبل التكسب والتجارات، أو بعض ما يتعاطاه الناس من الفطن والآداب لكانوا ممن قد يجوز أن يظن بهم تعظيم البيان، والرغبة في التبين، ولكنهم ذهبوا فيها مذهب الديانة، وعلى طريق تعظيم الملة، فإنما إنفاقهم في ذلك كإنفاق المجوس على بيت النار، وكإنفاق النصارى على صلبان الذهب.
ولو كانوا أرادوا العلم لكان العلم لهم مُعرضا، وكتب الحكمة لهم مبذولة، والطرق إليها سهلة معروفة. فما بالهم لا يصنعون ذلك إلا بكتب دياناتهم كما يزخرف النصارى بيوت عباداتهم!
ولو كان هذا المعنى مستحسنا عند المسلمين أو كانوا يرون أن ذلك داعية إلى العبادة وباعثة على الخشوع، لبلغوا في ذلك بعفوهم ما لا تبلغه النصارى بغاية الجهد.
وقد رأيت مسجد دمشق –يعني مزوقا مزخرفاً- فلما قام عمر بن عبد العزيز، جلله بالجلال، وغطاه بالكرابيس وطبخ سلاسل القناديل حتى ذهب عنها ذلك التلألؤ والبريق؛ وذهب إلى أن ذلك الصنيع مجانب لسنة الإسلام، وأن ذلك الحسن الرائع والمحاسن الدقاق، مُذهلة للقلوب، ومُشغلة دون الخشوع، وأن البال لا يكون مجتمعا وهناك شيء يفرقه ويعترض عليه.
والذي يدل على ما قلنا، أنه ليس في كتبهم مَثل سائر، ولا خبر طريف، ولا صنعة أدب، ولا حكمة غريبة، ولا فلسفة، ولا مسألة كلامية، ولا تعريف صناعة، ولا استخراج آلة، ولا تعليم فلاحة، ولا تدبير حرب، ولا مقارعة عن دين، ولا مناضلة عن نِحلة، وجُل ما فيها ذكر النور والظلمة، وتناكح الشياطين، وتسافد العفاريت، والإخبار عن شقلون، وعن الهامة والهمامة. وكله هذر وعي وخرافة، وسخرية وتكذب، لا ترى فيه موعظة حسنة، ولا حديثا مُونقا، ولا تدبير معاش، ولا سياسةُ عامة، ولا ترتيبُ خاصة. فأي كتاب أجهل، وأي تدبير أفسد من كتاب ليس فيه صلاح معاش ولا تصحيح دين!؟
والناس لا يحبون إلا دينا أو دنيا: فأما الدنيا فإقامة سوقها وإحضار نفعها.
وأما الدين فأقل ما يُطمع في استجابة العامة، واستمالة الخاصة، أن يصور في صورة مُغلِطة، ويموه تمويه الدرهم الزائف الذي لا يغلط فيه الكثير، ويعرف حقيقته القليل. فليس إنفاقهم عليها من حيث ظننت.
وكل دين يكون أظهر اختلافا وأكثر فسادا، يحتاج من الترقيع والتمويه، ومن الاحتشاد له والتغليظ فيه أكثر. وقد علمنا أن النصرانية أشد انتشارا من اليهودية تعبدا، فعلى حسب ذلك يكون تزيدُهم في توكيده، واحتفالهم في إظهار تعليمه.

تعليقات