يبقى الكتاب ويموت الكاتب
قال الجاحظ:
والكتاب قد يفضل صاحبه، ويتقدم مؤلفه، ويَرجحُ قلمه على لسانه بأمور:
منها أن الكتاب يُقرأ بكل مكان، ويظهر ما فيه على كل لسان، ويوجد مع كل زمان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار، وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، وقد يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره.
ولولا ما أودعت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمتها، ودونت من أنواع سِيَرها، حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها كل مستغلقٍ كان علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرَهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم، لما حسُن حظنا من الحكمة، ولضعُف سببنا إلى المعرفة. ولو لجأنا إلى قدر قوتنا، ومبلغ خواطرنا، ومنتهى تجاربنا لِما تدركه حواسنا وتشاهده نفوسنا، لقلّت المعرفة، وسقطت الهمة، وارتفعت العزيمة، وعاد الرأي عقيما، والخاطر فاسدا، ولَكلّ الحد وتبلد العقل.
وأكثر الكتب نفعا، وأشرفها خطرا، وأحسنها موقعا، كتب الله تعالى، فيها الهدى والرحمة، والإخبار عن كل حكمة، وتعريف كل سيئة وحسنة. وما زالت كتب الله تعالى في الألواح والصحف والمصاحف.
وقال الله عز وجل الم ذلك الكتاب لا ريب فيه.
وقال ما فرطنا في الكتاب من شيء.
ويقال لأهل التوراة والإنجيل: أهل الكتاب.
تعليقات
إرسال تعليق