ما الأفضل قراءة الكتب أم ملاقاة الناس؟!

 

ما الأفضل قراءة الكتب أم ملاقاة الناس؟!

قال الله تبارك وتعالى: كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون وقال الله عز وجل في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بأيدي سفرة وقال فأما من أوتي كتابه بيمينه وقال وأما من أوتي كتابه وراء ظهره وقال اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال الجاحظ: ولو لم تُكتب أعمالهم لكانت محفوظة لا يَدخل ذلك الحفظ نسيان، ولكنه تعالى وعزّ، علِم أن كتاب المحفوظ ونسخه أوكد وأبلغ في الإنذار والتحذير، وأهيب في الصدور. وإن من شكر النعمة في معرفة مغاوي الناس ومراشدَهم، ومضارَّهم ومنافعَهم، أن يَحتمل ثِقل مؤونتهم في تقويمهم، وأن يُتوخى إرشادهم وإن جهِلوا فضل ما يُسدى إليهم، فلن يصان العلم بمثل بذله، ولن تستبقى النعمة فيه بمثل نشره. على أن قراءة الكتب أبلغ في إرشادهم من تلاقيهم؛ إذ كان مع التلاقي يشتد التصنع، ويكثر التظالم، وتفرط العصبية، وتقوى الحمية، وعند المواجهة والمقابلة، يشتد حب الغلبة، وشهوة المباهاة والرياسة، مع الاستحياء من الرجوع، والأنفة من الخضوع؛ وعن جميع ذلك تحدث الضغائن، ويظهر التباين. وإذا كانت القلوب على هذه الصفة وعلى هذه الهيئة، امتنعت من التعرف، وعميت عن مواضع الدلالة، وليست في الكتب علة تمنع من درَك البُغية، وإصابة الحجة، لأن المنفرد بدرسها وفهم معانيها، لا يباهي نفسه ولا يغالب عقله، وقد عُدم من له يباهي ومن أجله يغالِب . طلب العلم طريقك إلى السيادة قال الجاحظ: وينبغي أن يكون سبيلنا لمن بعدنا، كسبيل من كان قبلنا فينا. على أنا وقد وجدنا من العبرة أكثر مما وجدوا، كما أن من بعدنا يجد من العبرة أكثر مما وجدنا. فما ينتظر العالِم بإظهار ما عنده؟! وما يمنع الناصر للحق من القيام بما يلزمه؟! وقد أمكن القول وصلح الدهر وخوى نجم التقية، وهبت ريح العلماء، وكسد العي والجهل، وقامت سوق البيان والعلم؟! وليس يجِد الإنسان في كل حين إنسانا يدربه، ومقوّما يثقفه. والصبر على إفهام المريض شديد، وصرف النفس عن مغالبة العالِم أشدّ منه، والمتعلم يجد في كل مكان الكتاب عتيدا، وبما يحتاج إليه قائما . وما أكثر من فرط في التعليم أيام خمول ذكره، وأيام حداثة سنه!! ولولا جياد الكتب وحسنها، ومبينها ومختصرها، لما تحركت همم هؤلاء لطلب العلم، ونَزعت إلى حب الأدب، وأنِفت من حال الجهل، وأن تكون في غمار الحشو، ولدخل على هؤلاء من الخلل والمضرة، ومن الجهل وسوء الحال، وما عسى ألا يمكن الإخبار عن مقداره، إلا بالكلام الكثير، ولذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه: «تفقهوا قبل أن تسودوا». وقد تجد الرجل يطلب الآثار وتأويل القرآن، ويجالس الفقهاء خمسين عاما، وهو لا يعد فقيها، ولا يُجعل قاضيا، فما هو إلا أن ينظر في كتب أبي حنيفة، وأمثال أبي حنيفة، ويحفظ كتب الشروط في مقدار سنة أو سنتين، حتى تمر ببابه فتظن أنه باب بعض العمال –أي الولاة-، ولا يمر عليه من الأيام إلا اليسير، حتى يصير حاكما على مصر من الأمصار، أو بلد من البلدان. لماذا أرسل النبي كتباً إلى الملوك ولم يرسل إليهم رسلاً قال الجاحظ: وينبغي لمن كتب كتابا ألا يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء، وكلهم عالم بالأمور، وكلهم متفرغ له. ومما يدل على نفع الكتاب، أنه لولا الكتاب لم يَجُز أن يعلم أهل الرَقة والموصل وبغداد وواسط، ما كان بالبصرة، وما يحدث بالكوفة في بياض يوم، حتى تكون الحادثة بالكوفة غدوة، فتعلم بها أهل البصرة قبل المساء. وذلك مشهور في الحمام قال الله عزّ وجل- وذكر سليمان وملكه الذي لم يؤتِ أحدا مثله- فقال: وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد إلى قوله: أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين. فلم يلبث أن قال الهدهد جئتك من سبإ بنبإ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم، وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم. قال سليمان اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم. وقد كان عنده من يبلغ الرسالة على تمامها، من عفريت، ومن بعض من عنده علم من الكتاب، فرأى أن الكتاب أبهى وأنبل، وأكرم وأفخم من الرسالة عن ظهر لسان، وإن أحاط بجميع ما في الكتاب. وقالت ملكة سبأ يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم. فهذا مما يدل على قدر اختيار الكتب. وقد يريد بعض الكبار الأجلاء، وبعض الأدباء والحكماء، أن يدعو بعض من يجري مجراه في سلطان أو أدب، إلى مأدبة أو نِدام –أي منادمة وسمر-، أو خروج إلى متنزه، أو بعض ما يشبه ذلك، فلو شاء أن يبلغه الرسول إرادته ومعناه، لأصاب من يُحسن الأداء، ويَصدُق في الإبلاغ، فيرى أن الكتاب في ذلك أسرى وأنبه وأبلغ. ولو شاء النبي صلى الله عليه وسلم، ألا يكتب الكتب إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، والمقوقس، وإلى ابني الجلندى، وإلى العباهلة من حمير، وإلى هوذة بن علي، وإلى الملوك والعظماء، والسادة النجباء، لفعل، ولوجد المُبلّغ المعصوم من الخطأ والتبديل، ولكنه عليه الصلاة والسلام، علم أن الكتاب أشبه بتلك الحال، وأليق بتلك المراتب، وأبلغ في تعظيم ما حواه الكتاب. ولو شاء الله أن يجعل البشارات على الألسنة بالمرسلين، ولم يودعها الكتب لفعل، ولكنه تعالى وعز، علم أن ذلك أتم وأكمل، وأجمع وأنبل.


تعليقات