مع المسيح عيسى بن مريم من الميلاد إلى النهاية -7-
كيف نزلت الْمَائِدَةِ من السماء
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِذْ قَالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً من الْعالَمِينَ) .
روى ابن كثير في البداية والنهاية بأسانيده أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ الْحَوَارِيِّينَ بِصِيَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا أَتَمُّوهَا سَأَلُوا عِيسَى إِنْزَالَ مَائِدَةٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ، لِيَأْكُلُوا مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ بِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ صِيَامَهُمْ وَأَجَابَهُمْ إِلَى طَلِبَهِمْ، وَتَكُونَ لَهُمْ عِيدًا يُفْطِرُونَ عَلَيْهَا يَوْمَ فِطْرِهِمْ ، وَتَكُونَ كَافِيَةً لأولهم وآخرهم، لغنيهم وفقيرهم فوعظهم عيسى فِي ذَلِكَ وَخَافَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُومُوا بِشُكْرِهَا، وَلَا يُؤَدُّوا حَقَّ شُرُوطِهَا ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ، قَامَ إِلَى مُصَلَّاهُ وَلَبِسَ مِسْحًا مِنْ شَعْرٍ ،وَصَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ ، وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ ، وَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ بِالْبُكَاءِ ، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ فِي الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ أَنْ يُجَابُوا إِلَى مَا طَلَبُوا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَائِدَةَ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، تَنْحَدِرُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ، وَجَعَلَتْ تَدْنُو قَلِيلًا قَلِيلًا ، وكلما دنت سأل عيسى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَهَا رَحْمَةً لَا نِقْمَةً ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا بَرَكَةً وَسَلَامَةً، فَلَمْ تَزَلْ تَدْنُو حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِمَنْدِيلٍ، فَقَامَ عِيسَى يَكْشِفُ عَنْهَا وَهُوَ يَقُولُ (بِسْمِ اللَّهِ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فَإِذَا عَلَيْهَا سَبْعَةٌ مِنَ الْحِيتَانِ وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ. وقيل وَخَلٌّ وَرُمَّانٌ وَثِمَارٌ وَلَهَا رَائِحَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، قَالَ اللَّهُ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ، فَقَالُوا لَا نَأْكُلُ حتى تأكل ، فقال إنكم الذين ابتدأتم السُّؤَالَ لَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ابْتِدَاءً ، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريبا مِنْ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَبَرَأَ كُلُّ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ أَوْ آفَةٌ أَوْ مَرَضٌ مُزْمِنٌ ، فَنَدِمَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْهَا لِمَا رَأَوْا مِنْ إِصْلَاحِ حَالِ أُولَئِكَ. ثُمَّ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَيَأْكُلُ النَّاسُ مِنْهَا، يَأْكُلُ آخِرُهُمْ كَمَا يَأْكُلُ أَوَّلُهُمْ ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهَا كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا نَحْوُ سَبْعَةِ آلَافٍ. ثُمَّ كَانَتْ تَنْزِلُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ كَمَا كَانَتْ نَاقَةُ صَالِحٍ يَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ عِيسَى أَنْ يَقْصُرَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَحَاوِيجِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَتَكَلَّمَ مُنَافِقُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَرُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَمُسِخَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ خَنَازِيرَ.
وقد أخبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الْمَائِدَةُ نزلت مِنَ السَّمَاءِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا وَلَا يَرْفَعُوا لِغَدٍ فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ .
تعليقات
إرسال تعليق