بلاد الشام أيام زمان
في كتابه حوادث دمشق اليومية روى شهاب الدين أحمد بن بدير البديري الشهير بالحلاق الأحداث التي عايشها في الشام من سنة ١١٥٤ إلى سنة ١١٧٦هـ أي قبل 300 سنة من الآن وقد اشتملت على غرائب وعجائب وأهوال ورصدت بدقة الأحوال الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية لبلاد الشام.
وعاصرت هذه الأحداث ثلاثة سلاطين عثمانيين، ولم يكن في ذلك الوقت لا احتلال ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا أمريكا ولا أي مستعمر خارجي.
غرائب وعجائب وأهوال لنرى بعضاً منها..
* الرجال يتحولون إلى نساء!
* جارية
* مجموعات رجال الأمن المختلفة يقتتلون مع بعضهم!
* والي دمشق يقاتل حاكم قلعة طبرية
* شيخ ينتحر من أعلى منارة المسجد
* مديون ينتحر
* اجتماع لمحاربة المفسدين.. كلام الليل يمحوه النهار
* شحاذ مذبوح
* السلطان يصادر أموال الوالي
* ممتهنات الدعارة يتبهرجن بالليل والنهار
* فرمان سلطاني بالتفتيش عن أموال الوالي السابق
* معاقبة الموظف الظالم الفاسد!
* سب الدين وظلم الناس
* غلو الأسعار وارتفاع السفهة والأشرار
* ظن الناس أن يوم القيامة قد قام
* الوالي يحارب المجموعات المسلحة
* والي دمشق يحارب والي بعلبك ويشنق المفتي
* الوالي يبطش بمسئول المالية وأعوانه ويقطع رأسه
بلاد الشام أيام زمان (1)
قال البديري رحمه الله ما معناه: وفي سنة ١١٥٤ كان والياً بالشام الحاج علي باشا من الأتراك وذلك بعد مضي إحدى عشرة سنة من جلوس مولانا السلطان محمود خان بن السلطان مصطفى خان، أيد الله عرش هذه الدولة إلى آخر الدوران.
الرجال يتحولون إلى نساء!
جرى على لسان العامة أنه سيحدث بدمشق الشام زلازل عظيمة تتهدم بسببها أماكن كثيرة، وأن الرجال ستقلب نساء، وأن أنهار الشام تجري طعاما. وتحدثوا في مثل هذه الخرافات، وصاروا يتداولونها فيما بينهم، ولم يحدث شيء فيما بعد من هذه السنة.
وقد قلت في هذا العام في حق من أظهر الكذب والأراجيف التي قدمنا ذكرها:
من كثر كذب الروافض دبّ فينا الشيب ... ما يعلموا الكذب أنه من شروط العيب
من جهة الزلزلة قالوا كلام الريب ... هم الملاعين صاروا يعلموا بالغيب
يا ناس كذب الروافض شاع في الأقطار ... وصيّرونا نسا نقعد بوسط الدار
ينزل عليهم غضب واحد أحد قهار ... روّعوا الخلق في هل زلزلة يا ناس
همو حمير اليهود جوا سقر في النار.
جارية
وفي غرة رجب المبارك من السنة ١١٥٥ جاءتنا جارية مباركة، وكنا قد اشترينا لنا منزلاً جديداً ، وكنا في ضيق فقلنا: لعل بقدومها يحصل لنا الفتح والفاتحة، فسميناها صالحة، جعلها الله تعالى فالحة.
مجموعات رجال الأمن المختلفة يقتتلون مع بعضهم!
وفي ذلك العام تأخر مجيء الفرمان المقرر لتولية سليمان باشا العظم على الشام فلغطت الأراذل والأسافل بالقول والفعل وأظهروا بدعاً كثيرة من محض الحرام، ولا زالوا على تلك الأحوال حتى جاء الفرمان.
وفي ٢٢ من جمادى الثانية عمل حضرة الوالي سليمان باشا العظم ديوانا، وجمع فيه الأفندية والأغاوات، وأخرج خطاً شريفاً بالعدل والتفتيش على المفسدين في دمشق من الإنكشارية، وطلب رؤساء الميدان وهم الأغاوات للحضور، فأبوا وأرسلوا له يسألونه ما يريد، فأرسل يطلب منهم ستة عشر رجلاً من الأشقياء الذين يسمونهم باصطلاحهم زرباوات، فأرسلوا له يقولون له: نحن لا نقدر على إلقاء القبض عليهم فدونك وإياهم. فبالحال أزال عنهم كدكاتهم –أي رتبهم-، ووجّهها على غيرهم وأعطى أسماءهم للدلاّل، وأمره أن ينادي في شوارع الشام أن هؤلاء الستة عشر دمهم مهدور ولا جناح على من قتلهم وغيرهم في أمن وأمان من سليمان باشا. ففرحت الناس أجمعين، لأنهم كانوا من أعظم المفسدين. وثاني يوم قتلت الدالاتية رجلاً إنكشارياً، فهربت الناس وسكّرت دمشق الشام. فسأل الباشا عن ذلك، فقيل له إن بعض الموصلية والبغّادة الذين كانوا قبقول وطردوا في زمن عثمان باشا المحصل حين قتلوا بعض الإنكشارية مرادهم الآن يعملوا فتن. فأمر منادياً ينادي أن لا يبقى بعد ثلاثة أيام أحد من الموصلية والبغادة والقبقول، وكل من بقي منهم يصلب وماله ينهب.
والي دمشق يقاتل حاكم قلعة طبرية
وفي عشية ليلة الثلاثاء ثالث رجب من هذه السنة ارتحل سليمان باشا طالباً قتال الظاهر عمر حاكم قلعة طبرية ومعه عسكر عظيم، وأخذ معه القنابر واللغمجية والطوبجية الذين جاءوا من اصطنبول بطلب منه، ثم وصل إليها وحاصرها حصاراً شديداً، وأرسل حضرة سليمان باشا يطلب من أهل الشام سلالم. فأرسلوا له ما طلب، وبعد مدة أرسل يطلب فعّالة وبساتنية ويكون معهم مرور ومساحي ومجلاف، فأرسل جميع ما طلب إليه. ولم يزل محاصراً القلعة، وهو يضرب عليها بالمدافع والقنابر، ولم يؤثر فيها، وقد ساعدته الدروز وأهل نابلس ونائب القدس خليل آغا ابن أبو شنب وعرب بني صخر وعرب السقر مع قعدان بن ظاهر السلامة. وقد ضيقوا على أهل القلعة الحصار. لكن أخبر بعض أهل طبرية بأن المحصورين بالقلعة ما حصل لهم ضيق لأن مؤنهم كثيرة، وقيل إن باب القلعة يفتح في وقت مخصوص، وبعض الناس تغدو إليهم وتروح بما يطلبون. وقد قبض على ذخيرة مرسلة لهم، وذلك بأن أهل دير حنا وفيها أخو الظاهر عمر أرسل لأخيه كتاباً مع شخص، وأرسل ذخيرة بارود وخلافها مع أشخاص، فألقى رجل من عسكر سليمان باشا القبض على الشخص الذي معه المكتوب، وذلك بعد تفتيشه وجد الكتاب موضوعاً في نعله؛ فأخذ حضرة الباشا الكتاب وقرأه وقرّره فأقر بالنجدة والذخيرة المرسلة لأخي الظاهر عمر، فحالاً أمر سليمان باشا بقتله، وأرسل جماعة للقوم الذين معهم الذخيرة فأخذت منهم، وقتلوا غالبهم، وقطعت رؤوسهم، وأرسلها سليمان باشا إلى إسلامبول، وشدّد الحصار، وأرسل سليمان باشا لأخي الظاهر عمر الذي في دير حنا يقول له: إذا فرغنا من أخيك جئنا إن شاء الله إليك.
شيخ ينتحر من أعلى منارة المسجد
في سنة 1156 وفي رابع عشر شهر رمضان ألقى رجل نفسه من أعلى منارة جامع الدقاق إلى الأرض؛ فهلك سريعاً، بعد أن تكسر جسمه؛ واسمه الشيخ حسن بن الشيخ يوسف الرفاعي. فسألنا عن سبب ذلك، فقيل لنا إن أخا زوجته أتى بامرأة إلى بيته، وكانت من الخطيئات، فنهاه عن ذلك، فنهره وضربه، فذهب فأخبر أكابر الحارة، فلم يلتفتوا إليه لأنهم فوق ذلك بالانغماس في الخطيئة، فذهب إلى جامع الدقاق، وصلى الصبح مع الإمام، وصلى على نفسه صلاة الموت، وصعد المنارة ونادى: يا أمة الإسلام، الموت أهون، ولا التعريص مع دولة هذه الأيام، ثم ألقى نفسه إلى الأرض، عفا الله عنه.
مديون ينتحر
وفي ثامن عشر من رمضان، وضع رجل يقال له المجرى، طبنجة في بطنه وقتل نفسه، فسألنا عن سبب ذلك، فقيل لنا هذا رجل عليه دين، فقتل نفسه من شدة كربه وقهره، مع أنهم أخبرونا أنهم وجدوا عنده نحواً من خمسة أكياس قمح مخزونة، فما سمحت نفسه أن يبيع شيئاً منها ويوفي دينه، فخسر دينه ودنياه.
اجتماع لمحاربة المفسدين.. كلام الليل يمحوه النهار
في الخامس والعشرين من رمضان، أغلقت أهل الشام دكاكينها، وقامت الأشراف على بيت فتحي أفندي الدفتردار. وسبب ذلك أن تابعاً من أتباعه يقال له العفصة، شتم السيد علي أفندي النقيب، وسحب عليه السلاح.
فاجتمعت الأعيان، وعملوا ديوان، وأخرجوا فتوى في قتله وإباحة دمه. فوقع التفتيش عليه، فتخبأ في بيت مصطفى آغا بن خضري في الميدان، وكان هذا العفصة قوّس السيد علي أفندي، وهو داخل إلى داره فلم تصبه، فانزعجت البلدة، واجتمعت الأكابر والأغاوات والقبجية والبلطجية وأمن الصرة عند القاضي في المحكمة، وعملوا عرض في فتحي أفندي الدفتردار، بأنه من أعظم المفسدين هو وأتباعه، وأرادوا أن يرسلوه إلى الدولة العلية، ولكن انتظروا مجيء حضرة أسعد باشا الوالي ليختمه، وثاني يوم بطلت همتهم، وكان كلامهم كما قيل: كلام الليل يمحوه النهار.
شحاذ مذبوح
وفي ليلة الجمعة ثامن والعشرين من رمضان، وجد في جامع الأموي رجل شحاذ مذبوح، وعلى صدره فلوس مبدورة، وما ظهر قاتله، وقيل ظنوا أن معه ذهب فذبحوه لذلك فلما وجدوهم فلوساً بدروهم عليه بعد قتله.
السلطان يصادر أموال الوالي
وفي اليوم الثالث والعشرين من شوال، قدم سلخور من جهة السلطان، بتحصيل مال الوالي سليمان باشا الذي توفي وكان يوصف بأنه من أهل الخير، وقدر المال اثنا عشر ألف كيس، وأخرج حرم سليمان باشا من ديارهم إخراجاً شنيعاً، وصاروا يفتشونهم واحدة واحدة، مع التفتيش في جيابهم وأعبابهم، وختم على جميع مخادع الدار، وأمر بالقبض على ابن عمه وعلى جماعة أخرى معه.
ثم أحضر السلخور القاضي والأعيان، واستجلب حرم سليمان الباشا، وأحضر الجلاد وآلة العذاب، وشدّد على الحريم بالطلب، وأن يعلموه عن المال أين مخبأ، فلما رأوا التشديد خافوا من العذاب وأقروا له عن بعض مخابئ تحت الأرض، فأرسل خلف المعمارية الذين عمروا السرايا، فأمر القبجي بتعذيبهم، وقطع رؤوسهم وأيديهم، فلما تحققوا عذابهم قالوا: نحن ندلك على كل ما عمل ثم أنهم حفروا له تحت الدرج، فبان عن سرداب، فرفعوا عنه التراب، ونزلوا في درج، فظهر مكان واسع وفيه صندوق مقفول وعليه قفول، فأخرجوه وفتحوه، فرأوه ملآن من الدراهم والريالات. ثم أخرجوا سبع براني مملوءة من الذهب المحبوب السلطاني، فلما رأى الحاضرون ذلك الحال زاغت منهم الأبصار، ثم عدوه وضبطوه، فوجدوه ثمان مئة كيس وخمسين كيساً. فلما بلغ الناس ما خرج عنده من هذا المال، وكان في أيام شدة الغلاء، مع سوء الحال، لهجوا بالذم والنكال، وقالوا قد جوّع النساء والرجال والبهائم والأطفال حتى جمع هذا المال من أصحاب العيال، ولم يراقب الله ذا الجلال.
وقبل ذلك جاء قبجي لضبط مال سليمان باشا، فضبط ألفين وخمسين كيساً.
ممتهنات الدعارة يتبهرجن بالليل والنهار
سنة ١١٥٧ في تلك السنة كثرت بنات الخطا يتبهرجن بالليل والنهار، فخرج ليلة قاضي الشام بعد العصر، فصادف امرأة من بنات الخطا، تسمى سلمون، وهي تعربد في الطريق، وهي سكرى ومكشوفة الوجه، وبيدها سكين. فصاح جماعة القاضي عليها، أن ميلي عن الطريق، هذا القاضي مقبل، فضحكت وصاحت وهجمت على القاضي بالسكين، فأبعدوها عنه. ثم جمع القاضي الوالي والمتسلم، وذكر له ما وقع له مع هذه المرأة ، فقالوا له هذه من بنات الخطا واسمها سلمون، وافتتن بها غالب الناس، حتى صار ينسب إليها كل حاجة أو متاع، فيقولون هذا متاع سلموني، وهذا الثوب سلموني. فأخرج المفتي فتوى بقتلها، وإهدار دمها تسكيناً للفتنة، ففتشوا عليها وقتلوها. وأرسلوا منادياً ينادي في البلد، أن كل من رأى بنتاً من بنات الخطا والهوى، فليقتلها ودمها مهدور، فسافر عدد منهن وانزوى البقية. ومع ذلك فالطاعون مخيم في الشام وضواحيها، مع غلاء الأسعار.
فرمان سلطاني بالتفتيش عن أموال الوالي السابق
وفي تاسع عشر محرم ورد من الدولة العلية خط شريف إلى القبجي، الذي جاء لضبط مال سليمان باشا، بأن يجمع أعيان البلد ويقرأ عليهم الفرمان، ومضمونه بأن يفتش ويفحص على خلفات الباشا المذكور، وأن يعذب الرجال والنساء بلا معارض حتى يقروا بالمال. فأجابوا بالسمع والطاعة، فأول من أتى به، ابن عم الباشا السيد محمد وهدده، فحلف بالطلاق، بأن ما عنده علم وقيل ضربه، فأقرّ على مكان، وقال احفروا هنا، فحفروا في دار الباشا حول الوجاق. فبان عن أربع زلع ذهب، فيهم ستة عشر ألف ذهب. ثم ضربوا الطواشي، فأقرّ بأنه مودع عند رجل يقال له حسن الطرابلسي، مخلاة ملآنة ريالات. فسارت إليه الأعيان، وأتوا به وبالمال، فأخرجوه فوجدوا داخل المخلاة بين المال جوهرة ليس لها قيمة، ورأوا المال ناقصاً عن ما قال الطواشي، فأمر القبجي بحبس الذي خرج من عنده المال، وحبس أولاده ومن يلوذ به. وأمر بحضور نساء الباشا وحريمه، وقد ذكرنا أولاً أنه أخرجهم من الدار عنفاً، والآن أمر بإحضارهم فأحضروهم وصار يقررهم فأنكروا وجحدوا، فأمر بحبسهم، فحبسوا في باب البريد وشدد عليهم. وكان لسليمان باشا سرية مقدمة على جميع محاظيه تسمى زهرا، كأنها البدر في أفق السماء. فلما جاءه الفرمان بعقوبة الرجال والنساء أمر بإحضارها، وسألها عن المال، فأنكرت وادعت أنها ما رأت شيئاً ولم تعرف شيئاً، فأمر بضربها، فضربت على وجهها ويديها وأجنابها، حتى عدمت صوابها فلم تقرّ بشيء، وهي تحلف أن ليس لها علم ولا خبر ولا أطلعها سيدها سليمان باشا على أمر، فتركها لأنه جبار لئيم وشيطان رجيم ليس له شفقة على الحريم، عذّبه الله بنار الجحيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ثم بعد ذلك جمع القبجي جميع حريم الباشا الجوار والأحرار جملة واحدة، وأخذ جميع ما معهم وما عندهم من ذهب وفضة ومتاع وحلي وألبسة وجميع ما تقتنيه النساء، وذلك بعد العذاب والإهانة والضرب الشديد. قاتله الله بجلود لا دباغ لها وعذبه بنار الخلود.
ثم إن سليمان باشا كانت له زوجة هي بنت الشيخ ياسين القادري، لما رأت ما حلّ بصحيباتها من الإهانة سألها القبجي عن مال زوجها الباشا، وهددها بالعذاب، فخافت وأعطت له شكلاً من الذهب يساوي عشرة أكياس، وأعطته تمسكات، وهي سندات كانت على بعض التجار بنحو مئة وخمسين كيساً. وكان جميع ذلك المال إرثاً عن أبيها الشيخ ياسين القادري.
وكل هذا الحال وأسعد باشا العظم الوالي الجديد –وهو قريب الوالي السابق- في الحج. ولما جاء أسعد باشا من الحج عمل ديوانا، وحضر القبجي وأخرج خطاً شريفاً بأن أمره مفوض يفعل ما يشاء من تعذيب وقتل وحبس، ولا أحد يعترضه. وقد ظن الناس أن أسعد باشا يقوم ويقعد لذلك، فخرج الأمر بخلاف ذلك، وقام ولم يحرك ساكناً.
ثم بعد مدة جاء فرمان بالعفو .
معاقبة الموظف الظالم الفاسد!
وفي نهار الخميس خامس جمادى الأولى، سافر إلى اصطنبول القبجي المذكور. وقد ظنت الناس أن أسعد باشا ابن أخي سليمان باشا يفعل أمراً في القبجي وفي فتحي الدفتردار فلم يقع منه شيء .
وفي آخر جمادى الثانية جاء خبر من الدولة العلية في طلب فتحي أفندي الدفتردار، فسار صحبة القبجي الذي جاء في طلبه.
وفي خامس يوم رجب تعصبت أعيان الشام، وعملوا عرضاً -أي شكوى- في فتحي أفندي بأنه من المفسدين، وما تم الأمر معهم لاختلاف كلمتهم.
وفي اليوم الرابع عشر من شهر رمضان بهذه السنة جاء فتحي أفندي الدفتردار من اصطنبول ودخل الشام بفرح وسرور، ولم ينله أدنى ضيم، وسبب ذلك ما بذل في اصطنبول من المال الذي تميل به قلوب الرجال. وكان محسوباً على القظلار وجماعة من رؤساء الدولة كبار. وقيل إنه دخل اصطنبول سراً وفرق المال سراً وجهراً، وكان قد طلبه السلطان فزيّوا رجلاً بزيه –أي ألبسوا رجلاً آخر مثل لباسه كأنه هو-، وأدخلوه على السلطان، فقرعه بالكلام وبما وقع منه، وما أرسلت أهل الشام من الشكايات عليه، فكان كلما قال له حضرة السلطان محمود خان كلاماً يشير له برأسه أن نعم، وكان قد أمره بذلك من أدخله، فحالاً أمر بقتله فقتل، وهو يظن أنه فتحي أفندي الدفتردار، ثم أمروا فتحي أن يلحق بالشام ليلاً.
سب الدين وظلم الناس
ثم دخلت سنة ١١٥٨ تفاقم الأمر من تعدي الزرباوات وهم الأشقياء، فاستطالوا في سب الدين وظلم الناس وحاكم الشام حضرة أسعد باشا لا يحرك ساكناً، ولم يفعل شيئاً، حتى صاروا يسمونه سعدية قاضين، نائمة مع النائمين، ونرى الأشقياء للعرض والمال مستحلين.
وفي نهار الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة قامت العامة من قلة الخبز وغلو الأسعار وهجموا على السرايا، رافعين أعلى أصواتهم بالبكاء والتضرع، قائلين ما يحل من الله قلة الشفقة على العباد الذين تضرروا بالغلاء، وأنت حاكم الشام ومسؤول عند الله عنا وعن هذه الأحوال. فقال لهم أسعد باشا: اذهبوا إلى المحكمة، واشكو حالكم إلى القاضي.
فأقبلوا نحو المحكمة، واصطرخوا فيها يشكون حالهم وما أصابهم وما هو واقع بهم. فخرجت جماعة القاضي بالعصي وطردوهم، وكان ذلك بأمر نائبه، فهجمت العامة ورجموهم بالحجارة، فأمر القاضي أعوانه أن يضربوا بالبارود فضربوهم، فقتلوا منهم رجلاً شريفاً وجرحوا منهم جماعة، فغارت العامة عليهم، وساعدهم بعض الإنكشارية، فهزموا القاضي وقتلوا باش جوقدار وبعض أعوانه، ونهبوا المحكمة وحرقوا بابها، وسكّرت الناس البلد، فركب بعض الأغاوات وردّ الناس. وأما القاضي فقد هرب من فوق الأسطحة هو ونائبه وجماعته، فأخذه بعض الأكابر وصار يأخذ بخاطره، فحلف القاضي لا يسكن هذا الشهر إلاّ بالقلعة. ثم جمعوا مال القاضي ومتاعه والذي نقص منه فرضوه على خزينة الوجاق وعلى بعض الأكابر والأعيان، وأرضوا القاضي وصالحوه وإلى المحكمة ردّوه.
غلو الأسعار وارتفاع السفهة والأشرار
ثم في هذه الأوقات زاد غلو الأسعار وقلت الأمطار وعظمت أمور السفهة والأشرار.
وفي تلك الأيام هلك مصطفى آغا ابن القباني كيخية الإنكشارية بمرض أعيا الأطباء برؤه، وكان من الذين يدخرون القوت ويتمنون الغلاء لخلق الله، فجعل الله العذاب والعقاب، لقد بلغني عنه أنه لما أرادوا دفنه حفروا له قبراً فوجدوا فيه ثعباناً عظيماً، فحفروا غيره فوجدوا كذلك، حتى حفروا عدّة قبور وهم يجدون الثعبان، قلت: وقد سبق ذلك فيما سلف لبعض الظلمة. وقد وجدوا في تركته من السمسم مئة غرارة، على أن في البلد كلها لم يوجد مدّ سمسم، ووجدوا من القمح شيئاً كثيرا، وقد طلب منه أن يبيع غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشاً فلم يقبل، وحلف لا يبيعها إلاّ بخمسين، فهلك ولم يبع شيئاً، فبيعت في تركته، ورحم الله عباده بموته لأنه أرحم الراحمين.
ظن الناس أن يوم القيامة قد قام
ثم دخلت سنة ١١٥٩، وقد دخل قاضيها مصطفى أفندي وقدامه أعوانه حاملين البندق والسلاح، حتى وصل إلى المحكمة، وهذا لم يقع لغيره، ثم جلس في المحكمة لا يحرك ساكناً، وفقه الله.
وكان الحاكم في الشام والوالي بها حضرة الوزير الخطير أسعد باشا ابن العظم. وكان غائباً في الحاج، والغلاء قائم على قدم وساق مع الكرب والخوف والشقاق.
وفي ثالث صفر دخل حضرة الحاج أسعد باشا العظم، وهو والحجاج على غاية من الصحة والسلامة. ثم بعد ذلك أرسل يطلب الدالاتية طلباً حثيثاً، فلما رأت الإنكشارية ذلك ضاقت عليهم الأرض، وقالوا كأقوالهم السابقة في قلة أدبهم: الست سعدية تريد أن تغدر بنا، وهذا الأمر لا يخوفنا. ثم زادوا بحمل السلاح ونهب المال وسبي العرض وسب الدين، وغير ذلك من الفظائع. ولما زادوا عتوّاً وفتكاً، ولم يراقبوا حضرة الحق جل جلاله، أرسل الله تعالى من غضبه ريحاً شديدة على الشام ما رؤي مثلها في سالف الأيام، فقلعت الأشجار من أصولها، وخربت غالب الجدران، حتى ظنت الناس أن القيامة قد قامت.
الوالي يحارب المجموعات المسلحة
وفي يوم الاثنين ثاني عشرين صفر من هذه السنة المذكورة بينما الناس قبل الظهر في أشغالهم، وإذا بضجة عظيمة وضرب بارود، فقيل ما الخبر، قيل ملكت الدالاتية القلعة، فسكّرت البلد وزاد الفزع في كل أحد، ولما بلغ الخبر للإنكشارية قاموا على قدم وساق. وقالوا أخذت منا القلعة يا شباب، واجتمعوا في باب الجابية بالسلاح الكامل ينتظرون القتال. ولما وصل الخبر لحضرة أسعد باشا فرح واستبشر ونادى: اطلبوا سوق ساروجا وجدّوا في الطلب. وأمرهم أن يتركوا جهة القبلة، وكان ذلك منه حيلة وخدعة. هذا والجنك يلعب بسوق ساروجة، وكأنه لم يكن حاكم بالشام إلا هم، فأراد الله تدميرهم. ثم أمر الباشا أن يوجهوا المدافع على سوق ساروجا، وأمر بضربها فضربت، فما كان بأقل من حصة يسيرة حتى احترقت الدور وتهدمت البيوت، واحترق بيت رئيس الانكشارية وعدم عن آخره، ونهبت العساكر كل ما فيه، ثم سرى النهب في بقية الدور، فنهبوا وقتلوا ومثلوا وبدعوا وذهب الصالح والطالح، حتى صارت محلة سوق ساروجا قاعاً صفصفاً. وأما ابن القلطقجي رئيس الانكشارية فإنه فرّ هارباً بعد ما بذل من الشجاعة هو وجماعته الغاية القصوى. ثم أمر الباشا أن تدار المدافع على جهة الميدان فوجهوها، وكان رأس المفسدين بها مصطفى آغا بن خضري جربجي، حتى سمى نفسه سلطان الشام، وعنده زمرة من الأشقياء يتقوّى بهم، وبها أيضاً أولاد الدرزي أحمد آغا وخليل آغا ولهم بها دولة وصولة فحين بلغ هؤلاء المفسدين بأن حضرة أسعد باشا وجّه عليهم المدافع بالعساكر أوقع الله الرعب في قلوبهم، وركنوا للهرب والفرار، وطلبوا البراري والقفار.
وبانهزامهم وهربهم تقطعت قلوب بقية من كان من الشجعان من أهل الميدان، فمنهم من هرب ولحق بساداتهم، ومنهم من قبر في المغاير والقبور، ومنهم من غطس في النهور. ولما وصلت للميدان المدافع لم يجدوا فيها من يدافع فأول ما اشتغلت العساكر بهدم دار ابن خضري، بعد ما نهبوا جميع ما فيها من المتاع وغيره، وكذلك فعلوا بدار ابن حمزة وبغيرها من الدور، حتى نهبوا نحواً من خمس مئة دار، وبعد ذلك اشتغلوا بهدم الدور التي نهبوها.
وأرسل حضرة أسعد باشا، خبراً إلى مشايخ الحارات بها وأئمتهم بأن يقبضوا على بقية الأشقياء الموجودين، وإن لم يفعلوا يلزمهم بغرامة أموال عظيمة. فصاروا يتتبعون الأشقياء واحداً بعد واحد، ويقولون لحضرة الباشا: هذا الشقي فلان الفلاني، وهذا الآغا الفلاني، وهذا الشربجي الفلاني. والباشا يأمر بضرب أعناقهم أمام باب السرايا وترك جسومهم تأكل منها الكلاب مدة طويلة، حتى صاروا عبرة لمن اعتبر.
فسكنت بعد ذلك الشام، وصارت كقدح لبن، وصارت الناس في أمن وأمان، وسترت الأعراض. فملك الباشا البلد بنحو أربع مئة من العسكر الدالاتية. وقد أمنت البرية، فكان ذلك بهمته القوية بعد ما كانت تقول كبراء الميدان وأعوانهم: لو جاءنا عشر باشاوات ومنهم السلطان ما حسبنا لهم حساب، ولشرطنا ذنبهم بالطبنجيات. فانظر الآن، فقد صاروا أذل من الذباب وطعماً لأخس الكلاب. وأما أولاد ابن الدرزي فإنهم هربوا والتجأوا إلى عرب ابن كليب هم وأتباعهم، وأما ابن حمزة وأتباعه فإنهم فروا نحو طبريا والتجأوا بالظاهر عمر، وأولاد القلطقجي وأتباعهم فهربوا إلى جبل الدروز، والذي منهم وقع جعلوا جلده رقع، وكان أعظم مصيبة وخذلان لبيت حسن تركمان، قتل منهم خمسة رجال. وكانوا من المفسدين الظالمين المؤذين، مهتكين للحريم، سبابين للدين، عدا حمزة بيك فإنه كان بخلاف ذلك، فقد ذهب غلطاً وهدراً.
وقد زينت البلد، والمدافع تضرب صباحاً ومساءً مدة شهرين، والنوبة مع الألعاب النارية. وكفى الله المؤمنين القتال، وقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد لله رب العالمين.
والي دمشق يحارب والي بعلبك ويشنق المفتي
وفي آخر ربيع الثاني أرسل أسعد باشا العظم عسكراً عظيماً إلى مدينة بعلبك، لقتل واليها الأمير حسين، فلم يجدوا له أثراً، فدخلت الأعوان ونهبوا وسلبوا وفعلوا ما فعلوا، ثم أتوا بثمانية رجال من أعيان بعلبك، ومن جملتهم مفتيها لدمشق الشام، فشنق مفتيها المذكور وضربت أعناق الباقين.
وفي تلك الأيام أرسل أسعد باشا جملة من العساكر إلى العرب، فجاؤوا برؤوس من العرب وجمال وأغنام وسلب وغير ذلك. وقد أرهب أسعد باشا المذكور الكبار والصغار، وعظم صيته حتى في البراري والقفار، وصاروا يضيفون لاسمه الحاج، ويقولون: الحاج أسعد باشا.
وفي هذه الأيام جاء من الدولة العلية قبجي ومعه من حضرة السلطان هدية ملوكية لحضرة الحاج أسعد باشا وذلك لم يسبق لغيره من الوزراء والحكام، فسبحان المعطي المانح.
الوالي يبطش بمسئول المالية وأعوانه ويقطع رأسه
وفي جمادى الأولى من هذه السنة وصل الجراد للشام، وكان حولها سنين مخيم، فنزل على بساتينها، فأكل حتى لم يبق ولم يذر. ثم إن هذه السنة كانت كثيرة الأمطار والخيرات والفواكه والنبات. ومع ذلك فأهل الشام في شدة عظيمة من غلاء الأسعار في جميع البضائع.
وفي نهار الأحد بعد العصر خامس عشر جمادى الثانية من هذه السنة ضربت مدافع، فسألت الناس عن الخبر، فقيل: إن سعد الدين باشا أخو أسعد باشا جاءته رتبة وزارة، فهرعت أكابر الشام لأجل تهنئة أخيه أسعد باشا.
وكان أسبقهم لتهنئة الباشا فتحي أفندي دفتردار الشام، فلما رآه الباشا قام ودخل لدهليز الخزنة، فتبعه وجلس عنده، فأخرج أسعد باشا صورة عرض –أي شكوى- وأراه إياه، فأخذه فتحي أفندي وقرأه، وإذا فيه الأمر بقتله. وقال له حضرة الباشا ما تقول في هذا. فقال سمعاً وطاعة. لكن أنا في جيرتك فخذ من المال ما أردت وأطلقني، فقال له الباشا: ويلك يا خائن، أنا لم أنس ما فعلت في نساء عمي. ثم أمر برفع شاشه وقطع رأسه، فوضع في رقبته حبل، وسحب إلى خارج السرايا وقطع رأسه، وأرسل للدولة. ثم أمر الباشا أن تطاف بجثته في سائر شوارع الشام وطرقها وأزقتها ثلاثة أيام، ففعل به ذلك، وطيف به عرياناً مكشوف البدن وتركوه للكلاب، ثم دفنت جثته ، وأمر الباشا بالإحاطة على داره وعلى ماله والقبض على أعوانه، فألقوا القبض على خزنداره عثمان وعلى ولده فأمر بحبسهما، ثم أتوا بأكبر أعوانه وكان يلقب بالعفصا فقطع رأسه حالاً. وزادوا على أعوانه بالتفتيش، فقتل بعض أعوانه وخدامه، ثم ضبط الوزير تركته وأموال أتباعه جميعاً للدولة العلية، فبلغت شيئاً كثيراً، وتفرق الباقون أيدي سبأ، كأن لم يكونوا وانقضت دولة كأنها طيف خيال.
ذلك بما كسبت يداه، فقد كان ظلوماً غشوماً بغيضاً لأهل الشام، يريد لهم الجور والظلم، لا يراعي الكبار ولا الصغار، إلا ناس من الأشرار، وهم من حزب الشيطان، قد اتخذهم عدّة لكل عدوان.
وتحقيق أمره وخبر قصة البطش به: أنه كان يراجَع في الأمور حتى من الوزراء والصدور –أي رؤساء الوزراء-، وطالت دولته وعظمت عليه من الله نعمته، واشتهر صيته وعلا قدره ونشر ذكره، لكنه كان يستطيل في أقواله وأفعاله، وأتباعه مشتهرون بالفساد والفسوق وشرب الخمور وهتك الحرمات، وهو أيضاً متجاهر بالمظالم، لا يبالي من دعوة مظلوم، ولا يتجنب الأذى والتعدّي، ونسب إلى شرب الخمر أيضاً وغير ذلك. فلذلك كانت أقرانه وغيرهم يريدون وقوعه في المهالك، ولما توفي الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج، وجاء من قبل الدولة الأمر بضبط أمواله ومتروكاته. وفي خلال ذلك تولى دمشق حاكماً وأميراً للحاج ابن أخيه الوزير أسعد باشا العظم الذي كان حاكماً في حماة، فأضمر له فعله حين وفاة عمه، ولم يرِه إلاّ ما يسرّه. وكان الدفتردار منتمياً إلى أوجاق اليرلية. وكان الأوجاق في ذلك الحين قواه قائمة وجيوشه بالفساد متلاطمة، وهم عصبة وجموع يذل لهم أكبر زعيم بالمذلة والخضوع، قد أبادوا أهل العرض وانتهكوا الحرمات وأباحوا المحرمات، ولم يزالوا في ازدياد حتى عمَّ فسادهم البلاد والعباد. وكانت رؤساؤهم زمرة ضالّة وفئة متمردة وكان فتحي أفندي يوليهم مكرماته ويمنحهم إحسانه وإنعاماته، وهم لبابه وفود، قد اتخذوه ركناً وسنداً، وأرباب العقول في دمشق في همّ وكدر وخوف وحذر، كل منهم متحيّر في أمره ومتخوف من هذا الحال وعوقب شرّه.
وأمير الحاج وقتئذ والي دمشق أسعد باشا المذكور ناظر لهذه الحال. متحيّر من تلك الأحوال؛ لأن الشقي منهم كان يجيء إلى حبس السرايا ويخرج من أراد من المحبوسين من غير إذن أحد علناً وقهراً.
وإذا مرّ الوزير المذكور بهم وهم جالسون لا يلتفتون إليه ولا يقومون له من مجالسهم عند مروره بهم، بل يتكلمون في حقه بما لا يليق بمسمع منه، فيتحمل مكارههم ولا يسعه إلا السكوت.
واستمرّ أمرهم على ذلك، إلى أن كتب في حقهم للدولة العلية، فورد الأمر بقتلهم وإبادتهم، فأخفاه الوزير مدّة، ثم بعد ذلك أظهره، وشرع في قتلهم وإبادتهم، وأعطاه الله تعالى النصر، وفرجت عن دمشق الشدائد.
ثم بعد أشهر قليلة كتب الوزير المذكور إلى الدولة العلية بخصوص الدفتردار وما هو عليه، وأرسل الأوراق التي في حقه مع علي بيك كول أحمد باشا، وكان ذلك بتدبير خليل أفندي الصديقي وأعيان دمشق. ثم صادف أن صاحب الدولة كان حسن باشا، وكان يبغض المترجم فتحي لكونه لما جاء قريب حسن باشا المذكور وهو أحمد آغا آغات أوجاق الينكجرية طرده، وصار أخيراً وزيراً، فأدخل للسلطان أحواله، وعرفه طبق مكاتبة أسعد باشا. وكان أسعد باشا ضمن للدولة تركته بألف كيس، فجاء الخبر بقتله.
وكان قبل ذلك صار من أهل دمشق عرَض في خصوصه –أي شكوى-، فلم يفد وكان هو بإسلامبول، فأعطي العرض له –أي الشكوى -، ولما جاء لدمشق صار يخرجه، وينتقم ممن اسمه مكتوب فيه –أي ممن قام بالشكاية عليه-. وكان السبب في ذلك وجود آغت دار السعادة بشير آغا، وكان منتمياً إليه –أي محسوباً عليه-، وكان للآغا المذكور نظر على الدفتردار وحماية.
فصادف الأمر بالمقدور أن بشير آغا توفي وحان القضاء وآن وقته، فجاء الأمر بقتله، فقتل شر قتلة على الوجه الذي تقدم.
وفيه قال البديري المؤرخ:
يا ما فعل فتحي لما صار دفتردار ... غرّه زمانه وسعده حول داره دار
دولاب عزه رقص يا ناس لما دار ... لم يعتبر أن هذا الدهر بو غدار.
تعليقات
إرسال تعليق