من عجائب التوكل والدعاء.. الخليفة المنصور يتوعد الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق بالقتل فيخرج من عنده محملاً بالهدايا !
روى ابْن أبي الدُّنْيَا، عَن الْفضل بن الرّبيع، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: حج أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة، فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة، قَالَ لي: ابْعَثْ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد من يأتيني بِهِ بَغْتَة، قتلني الله إِن لم أَقتلهُ، فَأَمْسَكت عَنهُ، رَجَاء أَن ينساه، فَأَغْلَظ لي فِي الثَّانِيَة.
فَقلت: جَعْفَر بن مُحَمَّد بِالْبَابِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَأَذنت لَهُ.
فَلَمَّا دخل، قَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
فَقَالَ: لَا سلم الله عَلَيْك، يَا عَدو الله، تلحد فِي سلطاني، وتبغيني الغوائل فِي ملكي، قتلني الله إِن لم أَقْتلك.
فَقَالَ لَهُ جَعْفَر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن سُلَيْمَان أعطي فَشكر، وَإِن أَيُّوب ابْتُلِيَ فَصَبر، وَإِن يُوسُف ظلم فغفر، وَأَنت من ذَلِك السنخ ففكر طَويلا.
ثمَّ رفع رَأسه، فَقَالَ: أَنْت عِنْدِي، يَا أَبَا عبد الله، البريء الساحة، السَّلِيم النَّاحِيَة، الْقَلِيل الغائلة، جَزَاك الله عَن ذِي رَحِمك، أفضل مَا يَجْزِي ذَوي الْأَرْحَام عَن أرحامهم.
ثمَّ تنَاول يَده، فأجلسه على مفرشه، واستدعى بالمنفحة، والمنفخة مدهن كَبِير فِيهِ غَالِيَة، فغلفه بِيَدِهِ، حَتَّى قطرت لحيته.
ثمَّ قَالَ لَهُ: فِي حفظ الله وَفِي كلاءته، يَا ربيع، ألحق أَبَا عبد الله جائزته وَكسوته.
قَالَ: الرّبيع: فتبعته، فَلَمَّا لحقته، قلت لَهُ: إِنِّي رَأَيْت مَا لم تَرَ، وَسمعت مَا لم تسمع، وَرَأَيْت بعد ذَلِك مَا قد رَأَيْت، وَقد رَأَيْتُك تحرّك شفتيك بِشَيْء، فَمَا الَّذِي قلت؟ فَقَالَ: نعم، إِنَّك رجل منا أهل الْبَيْت، وَلَك محبَّة ومودة، اعْلَم أنني قلت: اللَّهُمَّ احرسني بِعَيْنِك الَّتِي لَا تنام، واكنفني بركنك الَّذِي لَا يرام، وأدركني بِرَحْمَتك، واعف عني بقدرتك، لَا أهلَك وَأَنت رجائي، رب، كم من نعْمَة أَنْعَمت بهَا عَليّ قلّ لَك عِنْدهَا شكري فَلم تحرمني، وَكم من بلية ابتليتني بهَا، قلّ لَك عِنْدهَا صبري فَلم تخذلني، فيا من قلّ عِنْد نعمه شكري فَلم يحرمني، وَيَا من قلّ عِنْد بليته صبري فَلم يخذلني، يَا من رَآنِي على الْخَطَايَا فَلم يهتكني، يَا ذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْقَضِي أبدا، وَيَا ذَا النعماء الَّتِي لَا تحصى عددا، صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، بك أدرأ فِي نَحره، وَأَعُوذ بك من شَره، اللَّهُمَّ أَعنِي على ديني بدنياي، وعَلى آخرتي بتقواي، واحفظني فِيمَا غِبت عَنهُ، وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طرفَة عين، يَا من لَا تضره الذُّنُوب، وَلَا تنقصه الْمَغْفِرَة، اغْفِر لي مَا لَا يَضرك، وَأَعْطِنِي مَا لَا ينْقصك، إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب، أَسأَلك فرجا قَرِيبا، وصبرا جميلا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، والعافية من جَمِيع البلايا، وشكر الْعَافِيَة.
تعليقات
إرسال تعليق